دنقل، فالأولى في نصفها الأخير تعاني من ما يرمون به الشعر التقليدي كله زورًا وبهتانًا من خطابية ولجوء إلى حشو السطر للوصول إلى النهايات بأي طريق, والثانية يعيبُها ضعف النغم وضحالة العاطفة، إذا قيست مثلًا بقصيدة "مالك بن الريب الأموية" وهي في رثاء الذات مثل قصيدة "دنقل" وذلك رغم المسافة الزمنية الشاسعة التي تفصل بين العمل الأخير، والذي رثى به "دنقل" نفسه.
أو فلنأخذ قصيدة صلاح عبد الصبورة "أغنية من فيينا"، وهي أيضًا من النماذج الشعرية الجديدة التي يبوئها أصحاب الشعر التفعيلي مكانة عالية جدًّا من شعرهم، ولنُقارن بينها وبين رائية بشار "قد لامني في خليلتي عمرو" مثلًا، ولسوفَ يتبينُ لنا في الحال ما يغلب على قصيدة "عبد الصبور" من نثرية وضعف نغم، وتشتُت فكر، وقلة تركيز بحيث لا يجد القارئ لها ما يجده من أثر من قصيدة "بشار" المحكمة البناء، المتجهة قدمًا إلى هدفها، رَغم أن صاحب الأولى معاصر لنا على عكس بشار الذي يفصله عنا ثلاثة عشر قرنًا.
أو فلنأخذ "طردية أحمد عبد المعطي حجازي" ولنُقَارن بينها وبين "طردية الملك العماني سُليمان بن سليم النبهاني" من أهل القرن التاسع والعاشر الهجريين، رغم أن لغة حجازي لغة عصرية ليس في معجمها كلمة واحدة تحتاج منا إلى استشارة أي معجم، في حين أن "طردية النبهاني" مملوءة بالكلمات الغريبة علينا؛ مما يُحوجُنا إلى فتح المعجم كثيرًا.
على أن ليس هناك ما هو أحسم في التفرقة بين الشعرين لصالح الشعر القديم بوجه عام، من أن النّماذج التي يحفظها العربي ويستشهد بها من الشعر الجديد، نادرة جدًّا جدًّا، إذا ما قيست بروائع الشعر التقليدي الخالدة، التي لا تزال تملأ علينا نفوسنا، رغم البعد الزمني الذي يفصلنا عن ذلك الشعر.