نعم قد انتهى الشعر العربي أو كاد أن ينتهي في أيدي هؤلاء الشعراء إلى طريق مسدود، بعد أن قضوا على كل ما هو نضر فيه، فلم يعد له في معظم ما يكتبون معنى ولا نغم ولا فيه شعور.
وكانت "نازك الملائكي" قد توقعت أنه سوف يأتي اليوم الذي يعود فيه ناظمو شعر التفعيلة، إلى النظم على الطريقة الخليلية مرة أخرى، بعد أن تنحسر الحماسة الأولى لذلك الشعر؛ إذ كتبت في مقدمة ديوان "شجرة القمر": "وإني على يقين من أن تيار الشعر الحر سيتوقف في يوم غير بعيد، وسيرجع الشعراء إلى الأوزان الشطرية، بعد أن خاضوا في الخروج عليها والاستهانة بها".
كما صرح "نزار قباني" منذ وقت جد مبكر في عدد أغسطس سنة ألف وتسعمائة وثلاث وخمسين ميلادية، من "مجلة الآداب البيروتية" بما نصه: "كنت من أول القائلين بوجوب التحرر من القافية، هذه العبودية التي تقود البيت العربي قف فيقف؛ وتقطع خيوط الخيال العربي في روعت قفزته فيقع منقطع الأنفاس، أما الآن فقد جئت أعترف بفشلي، لأني أيقنت أن التحرر من القافية العربية مغامرة قد تودي بطابع القصيدة العربية، وتقضي على إرنانتها".
ونحن نرى أن موجة الشعر الجديد، هي مجرد موجة من موجات الشعر العربي؛ ليست أفضل ما فيه، ولا هي قمة تطوره كما يريد منا أصحابه أن نعتقد، بل فيها وفيها؛ إلا أن عُيوبَها أوضح فضلًا عن أن هذه العيوب ليست بالعيوب الهينة كما رأينا.
بل إن النماذج الجيدة من هذا الشعر لا تصمد للمقارنة مع النماذج الجيدة لما يسمى بالشعر القديم، خذ مثلًا قصيدتين من أقوى القصائد في هذا الشعر، وهما: "أحلام الفارس القديم" لصلاح عبد الصبور، و"الغرفة رقم ثمانية" لأمل