يشعرون، مُقِرّة بأن ثمانين بالمائة من القصائد الحرة تحتوي على أغلاط عروضية من صنف لا يمكن السكوت عنه.
وأننا قد نجد خطأ عروضي في قصيدة واحدة من عشر، في أسلوب الشطرين، في حين نجده في ثمان من عشر في الأوزان الحرة, وهذه نسبة غير هينة، تجعلُ الغَلط في الشعر الحر ظاهرة متمكنة، يَنبغي أن تخص بالملاحظة.
ومن هنا ارتبك نجم القصيدة التفعيلية وخفت، وظل يرتبك ويخفت رويدًا رويدًا حتى كاد أن يموت في كثير من القصائد، وأضحينا أمام أشباه جثث يزعم أصحابها، أو من يرافقونهم من النقاد على هذا العبث والإفساد المزاعم الطويلة العريضة التي تصم الآذان، إلا أنها لا تجدي فتيلًا.
فإذا أضفنا إلى هذا ما أصبح ملمحًا بارزًا لكثير من نصوص هذا الشعر في الفترة الأخيرة، وهو الغموض الذي كثيرًا ما يبلغ حد الاستغلاق، تبين لنا حجم الكارثة التي نزلت بالشعر العربي على أيدي هؤلاء المغرمين بالتدمير والتجريف، في الوقت الذي يملئون الدنيا صياحًا بأنهم إنما يعملون على إنقاذ الشعر العربي من المأزق الذي وقع فيه، على حين أنهم هم أنفسهم مأزق هذا الشِّعر ومصيبته وبلواه؛ إذ صار الشعر على أيديهم فاقدًا للمعنى والوزن والقافية، واقترب في حالات كثيرة من الهلوسات والبهلوانيات.
فإذا اعترضت أن هذا ليس بشعر، أجابوك بأن الشاعر لم يخلق ليقول شيئًا بل ليلعب الشعر بالكلمات وحسب, ومع هذا تراهم مغرمين غرامًا عجيبًا بإذاعة شعرهم، كما تراهم يتهافتون أشد التهافت على النقاد؛ ليكتبوا عنه وعنهم، وكثيرًا ما نرى أولئك النقاد الذين يزعمون أن لغة الشعر ليست للتوصيل ولا للتواصل؛ وهم يزحرون ويتصببون عرقًا في تفسير ما يقصده الشعر من معنى،