الإطلاق، إنّما هو شيء عرضي إلحاقي كان له يوم من الأيام، والآن يمكن أن يخلو منه، دون أن يكون ثمة ضرر من وراء ذلك البتة.

وقد ظلت القصائد العربية منذ بداية أمرها إلى بضع عشرات قليلة من الأعوام، تنظم على بحر من البحور الخليلية الستة عشر، في عدد من الأبيات يبدأ من سبعة أو عشرة، وقد يَطُولُ إلى بِضْع عَشراتٍ مِنْهَا، ورُبّما إلى ما هو أكبر من ذلك، وإن كان هذا نادرًا في شعرنا بوجه عام، وكان كل بيت ينقسم إلى شطرين، كما كانت الأبيات كلها تلتزم قافية واحدة.

وإلى جانب هذا النمط من الوزن ظهر في الطريق ألوانًا أخرى، كالموشحات والمخمسات، وما إلى ذلك؛ ثم عرفنا في العصر الحديث ما يُسمى بالشِّعر الجديد، أو شعر التفعيلة، الذي يقوم على نظام السطور لا الأبيات، حيث يتكونُ كُلُّ شطر من تكرار تفعيلة بعينها تكرارًا اعتباطيًّا؛ فمرة يكون السطر عبارة عن تفعيلة واحدة، ومرة يكون ست أو سبعًا أو ثلاثًا أو اثنتين حسبما يعن للناظم أن يقف، ويستأنف نظمه في سطر جديد.

وأحيانًا ما يكون في القصيدة الواحدة تفعيلتان مختلفتان أو أكثر, وعلى ذات الشاكلة تفتقر القصيدة التفعيلية إلى نظام قفوي معروف؛ إذ الشاعر حر في أن يُقَفّي متى شاء، وأن يترك التقفية متى شاء، مثلما يمكنه التنويع في القافية على النحو الذي يشاء.

وفوق هذا فلم يمض وقت طويل على ظهور شعر التفعيلة، الذي طنطن به أصحابه في البداية طنطنة محمومة، حتى عادت منظمته الأولى "نازك الملائكة" تنحي باللائمة على الشعراء التفعيليين الذين يخطئون أفظع الأخطاء، وهم يحسبون أنهم يأتون بأعظم التجديد، ويرتكبون أخطاء عروضية مشوهة وهم لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015