لكنه لا يتعامل بالعملات النقدية، بل بعملة شاعت في العالم وصارت موجودة وراء كل خبر نقرؤه أو كل حدث في حياتنا ألا وهو "القلق".
والفكرة ببساطة أن يأتي العميل ويطرح مشكلته أو قلقه، على أدهم وشعبان ويسعى الاثنان لحلها، وهكذا يقوم بدفع تكاليف العلاج لهما، كما يقومان بعرض مشكلاتهما على العميل الذي سيحاول حلها، ويقومان بدفع تكاليف علاجهما له، وهي بالطبع أقل مما دفعه لهما، وبالتالي يكون مكسبهما هو الفارق بين الأجرتين، تمامًا مثل البنك.
وقد بدأت الفكرة في شقة أدهم وهي شقة رثة الأساس متواضعة الحال، وتقع في إحدى حواري شارع محمد علي، وهنا نجد وصف الأستاذ الحكيم الساخر الممتع للمكان، من السرير الوحيد المليء بالبق، والكرسي الخشبي المثقوب، والمكتب الذي لا يعرف لونه، والببغاء المتكلم الذي يقلد دور السكرتير الوهمي، وبالطبع لاقت الفكرة بوارًا هائلًا، ليس لأنها فكرة حمقاء ومستحيلة فحسب، لكن لأن ورق الإعلانات المتواضع الذي ألصق بجوار أكشاك السجاير كان مكتوبًا بخط شعبان الذي لا يقرأ.
وبعد أيام طويلة من انتظار العملاء الذين لم يأتوا، ظهر فجأة "منير بك عاطف" وهو واحد من أثرياء العهد الملكي الذين استطاعوا النجاة ببعض ممتلكاتهم من المصادرة في العهد الثوري، لم يأت كي يعالَج من قلقه بل كي يدعم الفكرة ويمولها بالنقود والمرتبات، وبمقر جديد للبنك في شارع رئيسي في شبرا، ولم يرتب أدهم وشعبان في شخص يشارك في مشروع فاشل كهذا البنك، ويدفع كذلك بسخاء شديد.