بين الجيران، وصراع بين مذهبين أو فكرتين أو ذَوْقين، بل يمكن أن تقوم مسرحية دون صراع، فقد يؤلف أحدهم مسرحيةً تدور على التوتر الذي يصطلي ناره شخص ما في موقف من المواقف.
وهناك سبب آخر في نظر "عزيزة" أيضًا، وهو الادعاء بأن اللغة العربية لغة متجمدة لا تلائم متطلبات الدراما، فهي حين تعبر عن تجربة ما، إنما تلجأ إلى القوالب التعبيرية المحفوظة ولا تهتم بنقل التجربة كما يعيشها صاحبها. وهذا كلام فارغ كله تنطع وتفاهة، فليست هناك لغة يمكن اتهامها بتلك التهمة، فضلًا عن أن تكون تلك اللغة بالذات هي اللغة العربية المشهورة بغناها، ومرونتها، وإبداعاتها الغزيرة المتنوعة، لكن قد يكون هناك في بعض العصور الأدبية طائفة من المؤلفين، يبرز في كتاباتهم القوالب المحفوظة على حساب غيرها من التعبيرات التلقائية، وهذا شيء آخر غير ما يتحدث عنه "عزيزة"، وهو موجود في كل اللغات والآداب في بعض الفترات التاريخية.
وعلى أية حال، هل تغيرت اللغة العربية بحيث أصبحت الآن تتسع للإبداع المسرحي؟ إنها بكل يقين لم يطرأ عليها شيء جذري، فماذا يقول المتنطعون السطحيون في هذا؟ وهناك مَن يقول أن العقلية العربية نزَّاعة إلى التجديد لا التفصيل، هذا التفصيل الذي تستلزمه الدراما، وقائل هذا هو الدكتور "عز الدين إسماعيل"، ولا أعرف على أي أساس استند في دعواه العجيبة تلك. وكنت أودُّ لو أنه بدلًا من إرسال القول على هذا النحو المتعسف، قد ساق على دعواه تلك ما يلزمه من الأدلة والشواهد طبقًا لِمَا يقضي منهج العلم، لكنه لم يفعل، ومن ثم فرأيه بهذا الشكل لا قيمة له، وبخاصة أن العرب قد تركوا وراءهم شعرًا وقصصًا ورسائل ورحلات وتراجم ذاتية وغيرية، مملوءةً بالتفصيلات الحية،