قبل عدة قرون، وعندما كان المسلمون يسامون سوء العذاب ويقتلون؟ بل إنه ومن الممكن أيضًا أن يتخذ هذا اللون من الصراع مسارًا معاكسًا، إذ كان في المجتمع المسلم على عهد النبي منافقون ويهود، يعملون دائمًا على تقويد ذلك المجتمع، ومن ثم يمكن تأليف مسرحية تدور على الصراع الذي كان بين كل من هاتين الطائفتين من ناحية، والرسول ومعه جماعة المؤمنين من ناحية أخرى.

كذلك كيف يقال: إن الدرب الثالث من الصراع لا يُتصور بقوة في مجتمع مسلم، والمسلم مطالب بأن يبذل دائمًا أقصى جهده؛ لتغيير المنكر، إن هذا معناه بكل بساطة أن الزعم باعتقاد المسلم بأن كل شيء حتمي ومقدم سلفًا، ومن ثم لا يجوز دِينًا أن يحاول تغييره، هو زعم سفيه، وهذا من الناحية الشرعية، وإلا فالمسلم ككل إنسان كثيرًا ما يسخط على وضعه، ويتمرد على الظروف التي خلقت هذا الوضع، ويعمل بكل ما في وسعه على تغييرها إلى الأفضل، وإلا فكيف نفسر كل ما بذله المسلمون على مدار تاريخهم الطويل من جهد لتحسين أحوالهم؟!

إن القول بغير هذا هو في الواقع عمًى في المنطق والتفكير.

أما تصوير المسلم على أنه هادئ النفس دائمًا وأبدًا، لا يعرف التناقضات الداخلية ولا الصراع بين مطامحه وقدراته، أو بين عواطفه وشعوره بالواجب مثلًا، فهو تصوير يدل على سطحية الفهم، ثم إن حصر الصراع في هذه الألوان الأربعة هو تضييق وضيق أفق؛ لأن ألوان الصراع لا تنتهي، فصراع بين الزوج والزوجة، وصراع بين الحماة وكَنتها، وصراع بين الطلبة وأستاذهم، وصراع بين حزب سياسي وآخر، وصراع بين دولتين، وصراع بين طبقتين، وصراع بين طائفتين، وصراع بين حاكم وشعبه، وصراع بين ذوي المهنة الواحدة، وصراع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015