المشاهدين، في الوقت الذي يحرك هذه العرائس -الورقية أو الجلدية- رجل ماهر على النحو الذي يتطلبه الدور.
وكان هناك في مصر -قبل ابتلائها بالحملة الفرنسية- ممثلون مسرحيون فكاهيون هم "الحكاواتيون"، يؤدون أدوارهم في الأماكن العامة أو في بيوت الكبراء، كما اكتشف نصان مسرحيان عاميان بعنوان "سارة وهاجر" و"سعد اليتيم"، ما زالَا يقدمان حتى اليوم في قرى الفيوم عند الاحتفالات الشعبية،
ولا ننسى تمثيلية "خروج الحسين من المدينة قاصدًا العراق"، ذلك الخروج الذي انتهى بمقتله في كَربلاء، إذ كانت الشيعة منذ القرن السابع الهجري تحتفل به وتمثل ما حدث في تلك الواقعة، إلى أن توقف الأمر في العصر الحديث، وهو ما يطلق عليه "التعازي الشيعية"، وفيها يقوم بعض الأشخاص بأدوار الحسين وأهله وخصومهم، وكانت تلك المشاهد تمثل كلَّ عام في ذكرى كربلاء.
فهذا وأمثاله ما كان موجودًا في تراثنا، وهو الذي عَبَّدَ الطريق إلى دخول المسرح كما تعرفه أوربا عندنا في العصر الحديث.
وهذا يقودنا إلى سؤال آخر هو: ما العوامل المسئولة عن عدم ظهور فن المسرح في أدبنا القديم كما ظهر عند الإغريق والرومان مثلًا؟
هناك نظريات متعددة في هذا التعليل، فبناء على أن المسرح هو فن الصراع، وأن الحرية الإنسانية أساس ذلك الصراع، الذي قد يكون صراعًا عموديًّا أي: بين الإرادة البشرية والإرادة الإلهية، أو صراعًا أفقيًّا بين الفرد والمجتمع، أو صراعًا ديناميكيًّا بين العفوية البشرية والقدر، أو صراعًا داخليًّا بين الإنسان ونفسه، ينفي "محمد عزيزة" الباحث التونسي صاحب هذه التقسيمات إمكانيةَ أن يكون هناك صراعٌ عمودي عند المسلمين، إذ لا يتصور وجود الإرادة البشرية إلى جانب