غير الفنية، فإن الطبيعة البشرية قد صُممت على طلب الاكتمال، وعلى الضيق بأي نقص، لا النقص عن بلوغ المثال الأعلى فقط، بل النقص أيضًا عن بلوغ الغاية المتوقعة عمومًا، وإلا بقي الفضول البشري قلقًا ومقلقًا لصاحبه، وهذا أمر جد مزعج.
إن المسرحية تقوم على عنصر التشويق، وهو العنصر الذي يدفع مستقبل العمل إلى متابعته؛ بُغيةَ الوصول إلي نهاية شافية مريحة، فإذا بتر المؤلف المسرحية بترًا، كان هذا بمثابة حرمان الظامئ من قُلة الماء التي أعطيته إياها ليشرب، ثم لم تتركه يطفئ نار عطشه بل انتزعتها منه قبل أن يفعل.
والسؤال الآن هو: هل عرف أدبنا العربي القديم هذا الفن الأدبي؟
والجواب: هو أنه لم يعرف فن المسرح الذي نعرفه الآن، وإن كان قد عرف بعض أشكال أخرى ساذجة لا تخلو من بعض العناصر التمثيلية، كالذي كان يصنعه أحد المتصوفة في عصر "المهدي" الخليفة العباسي، إذ كان يأتي برجال فيجلسهم أمامه واحدًا بعد الآخر بوصفهم صحابة رسول الله، ثم يأخذ في تعداد أعمال كل صحابي جالس أمامه ومآثره، لينتهي قائلًا لمن حوله: اذهبوا به إلى أعلى عليين.
وفي القرن الثالث الهجري أيام "المعتضد بالله العباسي" كان هناك رجل اسمه "المغازلي" يستطيع تقليد الشخصيات المختلفة كالأعرابي والزنجي، مع تقديم بعض المشاهد الصادقة من حياتهم وتصرفاتهم، ولدينا أيضًا "خيال الظل" الذي برع فيه "ابن دانيال" في القرن السابع الهجري، وهو لون من الفن التمثيلي وإن لم يكن الممثلون بشرًا، بل أشكال على هيئة الرجال والنساء، مصنوعة من الجلد أو من الورق المقوى، ووراءها نور يظهر ظلالها على ستارة تُنصب بينها وبين