وكما قامت المقامات في الأدب العربي على المحسنات البديعية، والإغراق فيها، والاستعانة بالألغاز، والحرص على إبراز سعة المعجم اللغوي، وبخاصة ما يكثر في لغة العرب من غريب الألفاظ، فكذلك حاول القاضي "حميد الدين" أيضًا الجري في نفس المدمار، وإن لم يكن للفارسية ذات الثراء الذي تتمتع به لغة القرآن حسبما ذكر المؤلف.
ومن مظاهر تأثير الحميدي بمقامات بديع الزمان كذلك: كثر استخدامه للألفاظ العربية، فضلًا عن الجمل والعبارت الكاملة المنقولة من لغة الضاض، حتى في المواضع التي لا يكون ثَم تداع لذلك من ضرب مثل أو سوق شاهد في أصله العربي، بل لقد قلد "الحميدي" تركيب اللغة العربية في كثير من الأحيان، فكان يأتي بالفعل في أول الكلام على عكس ما تقتضيه اللغة الفارسية التي يقع فعلها في آخر الجملة لا في بدايتها، فضلًا عن إيراده كثيرًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والأشعار، والأمثال العربية كما هي، إضافةً إلى بعض الأشعار التي نظمها هو بلغة القرآن، ليس ذلك فقط بل إنه قد اقتصر في عدد من الحالات على إيراد بعض المقامات الهمذانية كما هي بعد ترجمتها إلى الفارسية، مع زيادة بعض الإضافات؛ بُغيةَ إظهار تفوقه وبراعته، مثلما هو الحال في "المقامة السقباجية" التي تقوم على "المقامة المضيرية" لدى الحريري، كذلك تتشابه المقامات هنا وهناك في العدد، إذ تبلغ كل منهما أربعًا وعشرين مقامةً. فهذه نقاط الاتفاق.
أما الاختلافات فتكمن في أن بطل مقامات "الحميدي" يختلف من مقامة إلى مقامة، كما أن راويها هو نفسه كاتبها، على حين أن بطل المقامات لدى الهمذاني واحد دائمًا، علاوة على أن راويها شخص غيره، كذلك في الوقت