ولا ينشغل بغيره، وبهذا يدرك مراده من قصيدته فتقع من الممدوح موقع القبول، وإن لم يلتزم الشعراء أصحاب المقدمات الطللية هنا وهناك بتفاصيل ما قاله ابن قتيبة التزامًا، بل كانوا يحومون في كثير من الأحيان حولها، مكتفين بالإتيان ببعض ما أشارت به".

وفي موضوع المقامة وتأثيرها على الأدب الفارسي نقف عند ما كتبه الدكتور "بديع محمد جمعة" في كتابه (دراسات في الأدب المقارن) الذي يتناول فيه ضمن ما يتناول طائفةً من قضايا الأدب المقارن المتعلقة بالأدبين العربي والفارسي، وهذه القضايا هي قصص المعراج بين (رسالة الطير) لأبي حامد الغزالي، و (منطق الطير) لفريد الدين العطار، و (قصص الحيوان) في الأدبين العربي والفارسي، وتأثر "لافونتين" الفرنسي بحكايات كليلة ودمنة، ثم أثر حكاياته بدورها على الأدبين المذكورين، والمقامات في الأدبين العربي والفارسي، و (ليلي والمجنون) بين الأدبين العربي والفارسي، وأخيرًا (تحرير المرأة) بين قاسم أمين والشاعرة الإيرانية "بيروين".

وسوف نقتصر هنا على الموضوع الثالث الخاص بالمقارنة بين الأدبين المذكورين في فن المقامات، ويبدأ الأستاذ الدكتور بتعريف فن المقامة محاولًا الرجوع بهذا الفن العربي الأصيل إلى أول من ابتدعه من المؤلفين العرب، والمقامة في مقاماتها الأولى: هي فن أدبي يقوم عادةً على حكاية من حكايات الشطارة والاستجداء، ذات بطل واحد، ينتقل من مكان لمكان، ومن موقف إلى آخر، مغيرًا هيئته في كل مرة، متخذًا الكُديةَ وسيلةً لكسب ما يقيم حياته إلى أن تنتهي الحكاية بانكشاف حقيقة حاله، وافتضاح أساليب مكره وخداعه، التي يلجأ إليها؛ لتحصيل مطعمه ومشربه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015