بذلك، لكنها تضيف أن تلك المقدمة لم تلقَ قبولًا واسعًا عند الفرس، فلم ينظمها إلا عدد محدود من الشعراء على رأسهم "منوجهري".
أيّما يكن الأمر، فها هم أولئك الشعراء الفرس يقفون على الأطلال في مقدمات قصائدهم، معاكسين ما كان يدعو إليه في فترة من فترات حياته الشعرية الشاعر العباسي أبو نواس ذو الأصل الفارسي، إذ كان يسخر من ذلك التقليد، ومن أصحابه العرب، ومن أسلوب حياتهم البدوي، داعيًا إلى استبدال المقدمة الخمرية بتلك المقدمة؛ لأنها أنسب للعصر الجديد -كما كان يقول- ولا شك أن هذه مفارقة طريفة وعجيبة.
ومن شعر "منوجهري" الذي يبدأ بمقدمة طللية، نأخذ هذا الشاهد وهو من قصيدة له يمدح بها السلطان "مسعود الغزنوي":
ألا أيها الخيام اطوِ الخيمة ... فإن دليل القافلة قد رحل عن المنزل
في البداية دق الطبال طبول الرحيل ... ثم أخذ الحداة في شد المحمل
اقتربت صلاة المغرب وهذا ... المساء أرى القمر مقابلًا للشمس
لكن القمر يصعد للأعالي بينما ... تهبط الشمس خلف جبل بابل
كأنهما الميزان ذو الكفتين الذهبيتين ... تميل إحدى كِفتيه عن الأخرى
ومن مقدمات "معزي النيشابوري" وهو من شعراء القرنين الخامس والسادس الهجريين، نلتقط هذه المقدمة:
أيها الحادي لا تنزل إلا في ديار محبوبي ... لأنوح زمانًا على الربع والأطلال والدمن
وأملأ الربع بدم قلبي ... فأصبغ به أرضَ الدمن