حتى إذا ارتوت ظلة النفس تفجرت أفاويق الشعر فياضة مترنمة، فليغترف الشاعر من هذا الفيض بكفه الطهور؛ فإنه لا يتكون في يديه متلألئًا كالبلور.
ويسترسل الشاعر الألماني في حماسته، حتى ينتهي الأمر به إلى النقمة على حياة المدينة، والتكبير والتهليل بما ينعم به الفارس البدوي من الحرية في الصحراء:
دعني كما أهوى على صهوة جوادي، واقبعوا أنتم في بيوت المدر وخيام الوبر، إني لأنطلق جزلان في هذا الفضاء الشاسع، ليس فوق عمامتي إلا النجوم الزواهر، وما زينت السماء الدنيا بمصابيح، إلا هدى للناس ومتعة للناظرين.
وقد بلغ هذا الشغف بالشرق العربي من جوته غاية بالغة؛ حتى كان يعالج محاكاة الكتابة العربية، وإقامة حروفها، ورسم كلماتها، وتوجيه سطورها من اليمين إلى اليسار، على خلاف الكتابة الأوربية، وقد جره هذا الشغف إلى التغني بالقلم العربي المتخذ من القصب، فنظم في مقطوعة بعنوان القلم: تخرج الأرض من القصب هذه الأعواد؛ للترفيه بها عن العباد، فاللهم اجعل أصدق المشاعر، وألطف الأفكار، تفيض من القلم الذي أخط به هذه الأشعار.
وترى المُستشرقة الألمانية أن المتنبي الذي يعده كثيرون أهم شاعر عربي، قد حظي باهتمام خاص من الشاعر الألماني جوته، الذي أعلن إعجابه به، مُتجاهلًا بذلك كون المتنبي شخصية نكرة في أوربا في تلك الفترة، وقالت كتارينا ممزن الأستاذة بجامعة استانفورت الأمريكية في كتابها (جوته وبعض شعراء العصر الإسلامي): "إن المتنبي كاد أن يكون نكرة بالنسبة للقارئ الأوربي في عصر جوته، ولكنهم انتبهوا إليه بعد أن تحدث عن جوته بإعجاب، وإكبار في "الديوان الغربي الشرقي".
فبعد سنوات، نشرت ترجمة كاملة لديوان المتنبي، ووصفه الناشر الألماني في العنوان بأنه أعظم شاعر عربي، وأشارت إلى أن للمتنبي ظلالًا في بعض أعمال