ومعلقة طرفة تتسم بالجرأة والحيوية والتوثب، ويسري فيها الابتهاج والتطرب، ومعلقة زهير رصينة متزمتة، عفيفة مترفعة، حافلة بالتعاليم الخلقية الراجحة، والحكم الجليلة النافعة، ومعلقة لبيد لطيفة الوقع، بارعة الحكاية، أنيقة الديباجة؛ يشكو الشاعر فيها من جفاء حبيبته؛ ليَخْلُص في ذلك إلى تعداد مناقِبه، والإشهادة بقبيلته، ومعلقة عنترة مستكبرة متفاخرة، متحدية متوعدة، بليغة الدلالة، جزلة العبارة وهي مع ذلك حالمة بمحاسن الوصف والاستعارة، ومعلقة عمرو بن كلثوم التغلبي فيها قوة عارضة، وجلالة مهيبة، وفخامة رائعة، ومعلقة الحارث بن حلزة فيه غزير الحكمة، نافذ البصيرة، ظاهر السمت، وافر الكرامة.
وقد بلغ من حماسة جوته وهو يطالع الترجمة الإنجليزية لهذه المعلقات، في عام ألف وثمانية وثلاثة وسبعين أن أرسل إلى صديق له "كار فون كليبول" يُخبره بعزمه على أن يحاول بدوره ترجمة المعلقات، وقد أمكن العثور على هذه المحاولة أخيرًا؛ فأُضِيفَت إلى آثار جوته في طبعة "فيمار".
هذا وإن القارئ لا يتمالك نفسه من الدهشة لما يبديه جوته من قبول سخي كريم للتشبع بالروح العربي، فقد اجتمع كتاب الغرب على رأي لا يخلو من شبهة العصبية ذميمة وهو أن الحضارة الحديثة مهدها ينال القديمة غير أن جوته أعلن عن عدوله عنها إلى حضارة الشرق العربي في حضارة العباسيين الزاهرة على ضفاف الفرات على أيام هارون الرشيد وصحبه.
وهذا ما قاله جوته في إحدى مقطعات "الديوان الشرقي": دع الإغريق البسال يجبر الطينة ويضع التمثال، وليفتتن ما شاء الافتتان، بالدنيا التي أبدعتها يداه الصناعتان، أما نحن فمتعتنا لجة الفرات، نسبح فيها مسترسلين مع عنصر الماء،