ونحنُ هنا نقصر كلامنا على جوته الشرق، ونظرته إلى الشعر العربي الأصيل، ومن ذَلك اتّصاله بمكتبة جامعة جوتنجن لتوفيه بالمعلقات العربية في ترجمتها الإنجليزية، التي أصدرها في لندن المستشرق "وليم جونز" وفي ذلك الوقت نفسه، وما كاد الكتاب يرد على شاعرنا، وتحتويه يداه، حتى انكب يطالعه في روية وإمعان.
وهكذا عاش الشاعر الألماني في عصر الجاهلية العربي، بفضل ما تُرجم إلى اللغات الأوربية وقتئذ من المعلقات، تلك القصائد المطولات التي أحرزت السبق في المسابقات الأدبية، التي كانت تعقدها القبائل في أسواقها الموسمية؛ ففي هذه المعُلقات العربية عاش جوته مع العرب في البادية، من الرعاة المقاتلة، التي تربط أبناء القبيلة الواحدة، وتدله على ما انطبع عليه العربي من روح الإقدام والبسالة، والتحرر من العار، وطلب المجد والفخار.
ويقول: إنّه إذا كان شعراء العرب قد استهلوا قصائدهم بالغزل والنسيب؛ فليس هذا منهم بعجب، فإن ما يعرضون له من صفة الحرب في شعرهم، بفضائلها الصلبة القاسية، ومَناظِرِها الدامية، قد دعاهم أن يقدموا بين هذه الصورة القوية للعنجوية الجاهلية، ما يلطف حدتها، ويخفف شدتها، من وصف محاسن الحبيبة، وبَثّ دواعي الحب وشكوى الجفاء والبعد، وتَرديد الحنين، وتوكيد الحفاظ على الود.
ويزيد في قيمة المعلقات السبع عند الشاعر الألمان: أنّ لكل منها صفة غالبة تتميز بها، ويشوق القارئ تنوعها، وهو يرى فيها رأي مترجمها المستشرق الإنجليزي، وخُلاصته أنّ مُعلقة امرئ القيس رقيقة مَرِحة، مشوقة المعنى، رشيقة اللفظ، شتى الفنون، ذات رونق مستحب، وطلاوة مُستطابه.