كذلك بأن الموشحة لم تكن تنظم بالعامية الأعجمية، بل كل ما هنالك أن خرجات بعض الموشحات من بعض المئات -البعض فقط- كانت تكتب بالعامية، وبعض هذه الخَرجات المَكتُوبة بالعامية، كان يُكتب بالعامية الأعجمية، علمًا بأن الخرجة لا تمثل إلا جزءًا صغيرًا جدًّا من الموشحة، وأن ذلك النوع من الخرجات لم يكن يكتب جميعه بالعامية، ولا بالعامية الأعجمية؛ إذ قد يقتصر هذا على كلمة أو كلمتين فحسب.
وفضلًا عن ذلك فإن الأسجال وهي فن شعري ينظم بالعامية كاملًا، إنما كانت تنظم العامية العربية لا الأعجمية، كما يعرف ذلك كل أحد، ولو كانت عامية أهل الأندلس هي الأعجمية؛ لنظمت الأسجال على الأقل بتلك العامية لا بالعامية العربية، التي يفترض حسب تلك النظرية أنها لم تكن تستعمل هناك.
ثم إنّه لم يَحْدُث أنّ أحدًا من العرب القدامى، ممن كتب عن ذلك الطراز من النظم، سواء أكان من أهل الأندلس أو من غيرهم، قد أشار ولو مجرد إشارة، إلى شيء من هذا الذي قاله "ربيرا" أما لو كان هناك من الأندلسيين غير المسلمين، من كتب شيئًا من هذا الذي يقول "رييرا" فليرنا إياه.
وقد تعرض العقاد -رحمه الله- إلى موضوع "تأثير الموشحات على الشعر الغربي" فذكر ما قاله "دانتي" من أنّ نظم الشعر بالعامية؛ قد شاعَ في إقليم بلوفَانس؛ حيث تنتقل الأمم اللاتينية إلى الجنوب، فانتشر من ذلك الإقليم أولئك الشعراء الجوالون، الذين عُرفوا باسم "التروبادور" المأخوذ من "طرب أو طروب" في رأي بعض المستشرقين، والذي قال إن اسم "التنزو" الذي يطلق على شعرهم، مأخوذٌ من كلمة تنازع، لأنهم كانوا يلقون الشعر سجالًا، يتنازعون فيه المفاخر والدعاوى، بالإضافة إلى ما لوحظ من شبه شديد بين أوزان هذا الشعر، وأوزان الزجل الأندلسي.