الأدبي؛ فضلًا عن استفادتهم من آداب الأمم التي فتحوا بلادها، لقد تركت كثير من الأمم التي فتح العرب بلادها لغاتها وآدابها، وأقبلت على لغة العرب وأدبهم، وأصبحوا عربًا بدورهم، لغة وأدبًا وذوقًا.
في الوقت الذي دخلت لغة العرب وآدابها أشياء غير قليلة، من لغات تلك الأمم، وفنونها الأدبية كما هو معروف؛ كالكلمات الفارسية التي تشير إلى مدلولات ومفاهيم لم يكن العرب بها عهد قبل هذا، مثل: "النوروز والدستور والكامخ والفيروز والفالوذج، والصولجان والخوان والجلاد، لقاء ما لا يكاد يحصى من كلمات وتعبيرات عربية غزت اللغة الفارسية، التي كانت لسان القرآن قد حل محلها في كتابة الأدب الفارسي عدة قرون.
وككتاب (كليلة ودمنة) الذي أدخله ابن المقفع بين الأدبين الفارسي والهندي جميعًا، وكالرّسائل الديوانية بتقاليدها المعقدة، التي لم يكن العرب ينتهجونها في رسائلهم قبل اتصالهم بالفرس.
بهذه الطريقة تتعرف الأمم والشعوب بعضها إلى آداب بعض، وتنفتح الطرق فيما بين تلك الآداب، ويتم تلاقحها فتقوى، وتدب فيها الحيوية، أو في أقل تقدير تزداد قوة إلى قوتها، وحيوية إلى ما كانت تتمتع به قبل من حيوية.
وهذا الانفتاح ميدان من ميادين الأدب المقارن، إذ يتيح الفرصة للدارس المقارن كي يتتبع سبل الاتصال بين الآداب بعضها ببعض، والعوامل التي ساعدت على هذا الاتصال، والثمار التي ترتبت عليه؛ فضلًا عن المقارنات الفنية بين الأعمال الأدبية، وهذا طبعًا إذا كان ذلك الدارس من أتباع المدرسة الفرنسية التي تتشدد في عملية المقارنة الأدبية؛ فلا تقدم على الإفتاء إلا إذا تبين بيقين أن ثمة اتصالًا وتأثيرًا وتأثرًا بين الطرفين الأدبيين؛ سواء كان كل من الطرفين عملًا أدبيًّا أو تيارًا أو جنسًا، أو كان هو كان الكاتب المبدع ذاته ... إلخ.