وهذا الانفتاح من شأنِهِ أنْ يُوَسّع آفاق إنسانيتنا، ويجعل أذواقنا وأفكارنا أكثر عمقًا، وأرحب مدى، ولا ينبغي الاعتصام بالحاضر المبالغ فيه؛ خوفًا من الذوبان في ثقافة الآخرين، كما لا ينبغي الانفتاح على تلك الثقافات دون الحرص على ما تتمتع به الثقافة القومية من خصوصية، ومذاق متميز، ما دامت تلك الخصوصية قد أثبتت في المناسبات المختلفة أنها عاصم هام، بدونه تضيع الشخصية القومية، وتذوب الأمة في محيط الأمم الأخرى.
إن الاعتدال مطلوب، ولا بد من الموازنة بين الانفتاح على ثقافات الآخرين، والحرص على الثقافة القومية من الضياع، وهذا التوازن هو الذي يغني تلك الثقافة، وفي ذات الوقت يتمسك بما فيها من عناصر الخير والنفع، وإذا كان الإخلاص في الترجمة، والوفاء للأصل المترجم مطلوبًا بمنتهى الشدة؛ فما أكثَرَ ما يَفْهَمُ المُترجم من العمل الذي ينقله إلى لغته رغم هذا شيئًا لا يراه أصحاب الأدب واللغة، اللذين ينتمي إليهما العمل المذكور، بل ربما لم يستطع مبدعه هو ذاته أن يراه فيه، وقد يكون هذا الفهم الجديد إغناءً للعمل المترجم، وقد يكون إساءة فهم له.
وإلى جانب الترجمة في تمهيد الطريق إلى العالمية الأدبية المنشودة، هناك الهجرات التي يقوم بها الأفراد والجماعات، ينتقلون بها من مكان إلى مكان جديد؛ حيث يختلطون بأمم أخرى، ويتعلمون لغات أخرى، وينفتحون على ثقافات أخرى، أو يكون لأصحابها من قوة التأثير بحيث يكون الانفتاح والانتفاع من جانب أهل الأرض المهاجر إليها.
ويلحق بهذه العوامل: عامل الغزو؛ كما في حالة الفتوح الإسلامية التي تمت غب عند ظهور الإسلام، حيث استطاع العرب نشر لغتهم وثقافتهم، وذوقهم