قال: اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود وأنا صخر الجني، فأرسل لي وزيره آصف بن برخيا؛ فأتى بي مكرهًا، وقادني إليه، وأنا ذليل على رغم أنفي، وأوقفني بين يديه، فلما رآني سُليمان استعاذ مني، وعرضَ عَليّ الإيمانُ والدخولَ تحت طاعته فأبيت، فطلب هذا القمقم، وحبسني فيه، وختم علي بالرصاص، وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجان فاحتملوني وألقوني في وسط البحر.
فأقمت مائة عام، وقلت في قلبي: كل من خلصني أهنيته إلى الأبد؛ فمرت المائة عام، ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى؛ فقلت: كل من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد، فمرت علي أربعمائة عام فقلت: كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات؛ فلم يخلصني أحد، فغضبت غضبًا شديدًا، وقلت في نفسي: كل من خلصني في هذه الساعة قتلته، ومنيته كيف يموت، وها إنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت.
فلما سَمِعَ الصّياد كلام العِفريت قال: يا الله، العجب! أنا ما جئت أخلصك إلا في هذه الأيام، ثم قال الصياد للعفريت: اعف عن قتلي يعف الله عنك، ولا تهلكني يُسلط الله عليك من يهلكك؛ فقال: لا بد من قتلك، فتمنى علي أي موتةٍ تموتها، فلما تحقق ذلك منه الصياد راجع العفريت وقال: اعف عني إكرامًا لما أعتقتك، فقال العفريت: وأنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني.
فقال الصياد: يا شيخ العفاريت، هل أصنع معك مليح فتقابلني بالقبيح، ولكن لم يكذب المثل حين قال:
فعلنا جميلًا قابلوه بضده ... وهذا لعمري من فعال الفواجر
ومن يفعل المعروف مع غير أهله ... يجازى كما جوزي مجير بن عامر