وأدخره في الخرج، ثم أبيعه في سوق النحاس، ثم إنه أخرج سكينًا، وعالج في الرصاص، إلى أن فكه من القمقم، وحطه على الأرض وهزه لينكت ما فيه، فلم ينزل منه شيء، ولكن خرج من ذلك القمقم دُخان صعد إلى السماء، ومشى على وجه الأرض؛ فتعجب غاية العجب.
وبعد ذلك تكامل الدخان واجتمع، ثم انتفض فصار عفريتًا، رأسه في السحاب، ورجله في التراب برأس كالقبة، وأيدٍ كالمداري، ورجلين كالسواري، وفم كالمغارة، وأسنان كالحجارة، ومناخير كالإبريق، وعينين كالسراجين، أشعثَ أغبر؛ فلما رأى الصياد ذلك العفريت، ارتعدت فرائصه، وتشبكت أسنانه، ونشف ريقه، وعمي عن طريقه.
فلما رآه العفريت قال: لا إله إلا الله سُليمان نبي الله. ثم قال العفريت: يا نبي الله، لا تقتلني؛ فإني لا عُدّت أخالف لك قولًا، أو أعصي لك أمرًا؛ فقال له الصياد: أيها المارد، أتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزّمان فما قصتك؟ وما حديثك؟ وما سبب دخولك إلى هذا القمقم؟ فلما سَمِعَ الماردُ كلام الصياد قال: لا إله إلا الله، أبشر يا صياد فقال الصياد: بماذا تُبشرني؟ فقال: بقتلك في هذه الساعة أشَرّ القتلات.
قال الصياد: تستَحِقُّ على هذه البشارة يا قيم العفاريت زوال الستر عنك، يا بعيد، لأي شيء تقتلني، وأي شيء يوجب قتلي، وقد خلصتك من القمقم، ونجيتُك من قرار البحر، وأطلعتك إلى البر، فقال العفريت: تمنى علي أي موتة تموتها، وأي قتلة تُقتلها، فقال الصياد: ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك؟ قال العفريت: اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: قل وأوجز في الكلام؛ فإن روحي وصلت إلى قدمي.