وما زال يُعالج حتى أطلعها، ولبس ثيابه وجاء إلى الشبكة؛ فوجد فيها حمارًا ميتًا، فلما رأى ذلك حزن، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: إن هذا الرزقَ عجيب وأنشد يقول:
يا خائضًا في ظلام الله والهلكة ... أقصر عليك فليس الرزق بالحركة
ثم إنّ الصيادَ لمّا رأى الحمار ميتًا خلصه من الشبكة وعصرها، فلما فرغ من عصرها نشرها، وبعد ذلك نزل البحر، وقال: "بسم الله" وطرحها فيه وصبر عليها حتى استقرت ثم جذبها، فثقلت ورسخت أكثر من الأول، فظن أنه سمك فربط الشبكة وتعرى، ونزل وغطس، ثم عالج إلى أن خلصها وأطلعها على البر، فوجد فيها زيرًا كبيرًا، وهو ملآن برمل وطين.
فلما رأى ذلك تأسف، ثم إنه رمى الزير وعصر شبكته ونظفها، واستغفر الله، وعاد إلى البحر ثالث مرة، ورمى الشبكة وصبر عليها حتى استقرت، وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير، فأنشد قول الشاعر:
هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ... ولا قلم يجدي عليك ولا خط
ثمّ إنه رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات، وقد رميت ثلاثًا ثم إنه "سم الله" ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن استقرت وجذبها؛ فلم يُطق جذبها وإذا بها وإذا بها اشتبكت في الأرض، فقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فتعرى وغطس عليها، وصار يعالج فيها إلى أن طلعت على البحر، وفتحها فوجد فيها قمقمًا من نحاس أصفر ملآن، وفمه مختوم برصاص، عليه طابع خاتم سيدنا سُليمان.
فلما رآه الصياد، فرح وقال: هذا أبيعه في سوق النحاس؛ فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبًا، ثم إنه حركه فوجده ثقيلًا، فقال: لا بد أني أفتحه، وأنظر ما فيه،