ويخرفونه، لا يريد بذلك اللذة، وإنما كان يريد الحفظ والحرس، واستعمل لذلك بعده الملوك كتاب (هزار أفسان) ويحتوي على ألف ليلة، وعلى دون المائتي سمر؛ لأن السمر رُبّما حُدّث به في عدة ليالٍ، وقد رأيته بتمامه دفعات، وهو بالحقيقة كتاب غث بارد.
وابتدأ أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياني صاحب كتاب (الوزراء) بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم، وغيرهم. كل جزء قائم بذاته لا يعلق بغيره، وأحضر المُسامرين فأخذ عنهم أحسن ما يعرفون ويحسنون، واختار من الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات ما يحلو بنفسه، وكان فاضلًا فاجتمع له من ذلك أربعمائة ليلة وثمانون ليلة، كُل ليلة سمر تام يحتوي على خمسين ورقة، وأقل أو أكثر. ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه من تتميمه ألف سمر، ورأيت من ذلك عدة أجزاء بخط أبي الطيب أخي الشافعي.
والآن أحب أن نقرأ معًا قصة من كتاب (ألف ليلة وليلة) كي يكون الكلام عن شيء واضح ملموس، لا كلامًا نظريًّا؛ والقصة التي اخترتها لكم هي قصة: "الصياد والعفريت":
تقول شهر زاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان رجل صياد، وكان طاعنًا في السن، وله زوجة وثلاثة أولاد، وهو فقير الحال، وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير، ثم إنّه خرجَ يومًا من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر، وحط معطفه وطرح شبكته، وصبر إلى أن استقرت في الماء، ثم جمع خيطانها؛ فوجدها ثقيلة، فجذبها فلم يقدر على ذلك، فذَهب بالطرف إلى البر، ودَقّ وتدًا وربطها فيه، ثم تعرى وغطس في الماء حول الشبكة.