وفاته أنه ما كان للأدب العالمي أن يوجد إلا بعد قيام أولئك المؤلفين وأمثالهم بوضع كتبهم تلك، إذ إنهم بتلك المحاولات قد لفتوا الأنظار إلى أن هناك صلة بين الآداب العالمية أو الأوربية بعضها ببعض، ويكفيهم أنهم أعطونا صورة بانورامية لآداب الدنيا، أو آداب جزء كبير منها، وليكُن في الصورة بعد ذلك ما يكون من عيوب ونقوص، فمن سنن الحياة ألا يخلو عمل إنساني من العيوب، وأن تكون تلك العيوب على أشدها في البدايات الأولى.
والمهم أنهم لفتونا إلى فكرة عالمية الأدب، التي ما كان يمكن أن تظهر إلى الوجود إلا بعد تشبع القائلين بها، والعاملين على إبرازها بما في تلك الكتب الآنفة الذكر من معنى، ذلك أنه ما من شيء في الدنيا يتم دفعة واحدة، بل لا بد له من مقدمات وتمهيدات.
وعلى هذا ففي قوله عن تلك المؤلفات: إنها محاولة تركيبية أولى، لا تمت بصلة إلى ما نعنيه الآن بالأدب العالمي، ذلك إن إعداد أكوام الحجارة أو الأسمنت أو الحديد وتنظيمها لا يعني أن البناء قد ارتفع، في قوله هذا كثير من التجني، وإلا فهل يمكن قيام أي بناء وارتفاعه دون أن نعد لذلك أولًا أكوام الحجارة والأسمنت والحديد وننظمها، إن هذا لهو المستحيل بعينه.
ولكن ما هي عالمية الأدب التي نتحدث عنها؟ إنها باختصار العمل بكل سبيل على تعرف الآداب المختلفة بعضها إلى بعض، ومن ذلك قراءة الآداب الأجنبية في لغتها الأصلية، أو في لغات وسيطة أو في ترجماتها إلى اللغة القومية؛ فيسهل حينئذ إفادة الآداب الضعيفة الآسنة من الآداب القوية المتوثبة حيوية وإبداعًا، كما يسهل تنبه الأمم المتقدمة إلى قيمة آداب الأمم التي لم تصل بعد إلى درجة تقدمها، والتي قد يكون لآدابها قيمة فنية، وإنسانية كبيرة رغم ذلك.