يهجو فيها العادات والتقاليد، بواسطة أشخاص من المتسولين، ومن يعد في زمرتهم في نظر المؤلف، كما يهاجم مختلف الطبقات في عهده من خلال أولئك الأشخاص، وقد سار على نهجه لوساج في قصته التي يهجو فيها العادات والتقاليد، على لسان البطل الذي سميت القصة باسمه "فيل بلا".
وانتفع بهذا الاتجاه "جوتييه" في قصة "موت الحب" وهذه المقامات زكت الاعتقاد أن قصص الشطار قد حوت نقدًا مريرًا للأنظمة الإقطاعية التي كانت سائدة في القرون الوسطى، يُشبه ذلك النقد المرير الذي قدمه بديع الزمان للواقع الإقطاعي في العصر العباسي من خلال مقاماته.
كما أن هناك من الباحثين من يثير تأثير المقامة في الكوميديا الإلهية، "لدانتي" إذ ليس من المعقول أن يكون هذا الكاتب بمعزل عن الثقافة العربية الإسلامية، وهو المُلم بجميع نواحي الثقافة والمعرفة آنذاك.
وقد درس الموضوع بمزيد من الجدية والعمق المستشرق الإسباني "بلاثيوث" في كتابه (المعتقدات الإسلامية حول العالم الآخر في الكوميديا الإلهية) وهو خلاصة دراسة استغرقت عشرين عامًا، وازن فيها المؤلف بين قصيدة "دانتي" من جهة، وبين الكتب الدينية الإسلامية وبعض الكتب الدينية العربية كالقرآن الكريم، وكتب الحديث والتفسير والسيرة ومؤلفات المتصوفين، ولا سيما كتاب (الفتوحات المكية) لابن عربي و (رسالة الغفران) للمعري، وقصص الإسراء والمعراج، وانتهى المؤلف في دراسة كل هذا إلى القول بأن "دانتي" كان مطلعًا على كثير من نواحي الثقافة الإسلامية، وأنه استقى من هذا المنبع بعض الصور والمعلومات التي وردت في الكوميديا الإلهية، مما يتعلق بالبعث والحشر وخلود النفس ومشاهدة الجنة والنار.
ونشير إلى أنه وظف هذه المعاني الدينية وفق تصوره، إذ يقول الدكتور نذير طعمة: "لقد تأثر "دانتي" بمعمارية المعراج، فأفرغها من مضامينها الإسلامية، وملأها بمضامين ومواقف تنسجم مع ثقافته ومعتقده.