وهذا يأخذنا إلى الربط بين المقامة والفن الروائي؛ فقد ذكر "بيير كاركيا" أن الفن الروائي لم يجد متنفسًا له سوى في المقامة، وهي كلمة ترجمت إلى الإنجليزية بلفظة "السنمبيلي" وإلى فرنسية بلفظة "سيونس" مما يفيد أنه يمكن قراءتها في جلسة واحدة.
وينقل محمد رجب البيومي عن الفيلسوف الفرنسي "آنس درينان" هذا الإعجاب بالمقامة التي آثرها على مجموعة "بلزاك" الأدبية، بحيث أن الحريري قاد شحاذه في خمسين موقفًا مختلفًا، بقوة اختراع عجيبة، ودقة وتأمل في الأخلاق والعادات؛ لنعلم مهارة الغرابة التي تنطوي عليها فكرة المقامات، أرادوا أن يضعوا في القرن التاسع عشر مهزلة بشرية يشير إلى مجموعة "بلزاك" المسماة بهذا الاسم؛ فلم يعرفوا كيف يجعلونها في قالب مقبول؛ في حين حقق الحريري هذه الفكرة والمجتمع الإسلامي في القرن الثاني عشر، أما بلزاك فقد نقصته شخصية أبي زيد الذي لا تكاد تلمسها حتى تفلت.
وننهي حديثنا عن المقامة بالإشارة إلى أن التراث العربي الإسلامي ليس هو الوحيد الذي أثر في الفن السردي بإسبانيا، بل هناك تأثيرات مسيحية لا يمكن القفز عنها وتجاهلها، ويؤكد هذه الحقيقة عبد العزيز الأهواني بقوله: "وحين نتجاوز الألفاظ، والأخبار، والقصص سنجد في كتب التاريخ الأندلسي أمثال قصة "البيت المقفر" في طليطلة، وكيف أمر "لذريق" آخر ملوك "القوط" بفتحه، فكان نذيرًا بدخول العرب إلى إسبانيا". وقصة بنت ليون صاحب سبته مع ذلك الملك، وكيف غيرت التاريخ، وكلها قصص أخذت بغير شك من التراث الشعبي المسيحي.
والسلام عليكم ورحمة الله.