وتعلق "حبيبة تلبور قادي" عن هذا اللقاء الأدبي بقولها: "وهذا اللقاء التاريخي هو الذي يشرح وجوه الشبه الكبيرة بين المقامات، وقصص الشطار في الأدب الأسباني، وقد فضل الكتاب الأسبان أن ينسجوا على منوال قصص المقامات الواقعية، عوضًا أن ينسجوا على منوال قصص الرعاة، واستطاعوا بعد جهد جهيد أن يقربوا بين قصصهم وواقع الحياة، وأثروا بذلك تأثيرًا كبيرًا في الآداب الأوربية.
ثم إن المقامة حولت الأدباء من الجري وراء الخيال، وذلك بنسجه قصص الحب والفروسية والرعاة إلى الواقعية، وتقريب الفرد من المجتمع، ودعته ليفتح عينيه على واقعه، لذلك اتجه الكتاب الروائيون بإيحائها إلى التحدث عن أحوال المجتمع، وظروف الأغمار من الناس، ثم أبدعوا روائعهم في هذا الاتجاه الواقعي، متناسين هذه الأحلام الهادئة التي كانوا يملئون بها قصصهم الخيالية.
وأول قصة من هذا النوع في الأدب الإسباني كان عنوانها "حياة لاثاريو ومحنته" وقد نشرت أول مرة سنة ألف وخمسمائة وخمسة وخمسين، وفيها وصف لطفل بائس كان ابنًا لطحان فقير، سُجنَ وذو جريمة صغيرة كانت منه، ومات في السجن دون عائل يرعاه، فبدأ حياته شحاذًا يتسول، وقد اهتدى في حرفته الفقيرة بأعمى متمرس، كان سيبين له طريق الشحاذة، ثم يختلفان بعد حينٍ لشراهة الأعمى وطمعه في ابتزاز صاحبه، فتركه ليعمل خادمًا لدى قس محترف، يعيش على أموال الصدقات، ويشاهد غرائب عجيبة من بخله، وجشعه، وأثرته.
وممن تأثر كذلك بالأدباء الأسبان في هذا المجال "شارل سريل" في قصته "تاريخ فرنسيون الحقيقي الهازل" وقد نشرت باريس سنة ألف وتسعمائة واثنين وعشرين، وهي أول قصة من قصص شطار في فرنسا على لسان فرنسيون