القصص والنوادر، والطرائف الشعبية العربية كان ذا أثر أبعد في التمهيد لظهور رواية "البيكاريسك" الإسبانية من المقامات التي وقف عندها الباحثون مرارًا وتكرارًا، وحاولوا أعطائها دورًا لم تكن بطبيعتها مؤهلة له.
فالمقامات كانت تكتب للتداول في صفوف الضالعين والمتبحرين في علوم اللغة، وبما أنها كانت عسيرة اللغة، وعسيرة الفهم، وكثيرة المجاهل؛ فإنها لم تترجم إلى اللغة اللاتينية، أو اللغة الأسبانية.
وعلى كل حال فأنا لا أحاول في هذا البحث الاستدلال على أية فصول من الأدب الأسباني، جاءت منقولة أو واضحة التأثر بأصول عربية؛ لكن القارئ قد يجد فيما أردت إثبات جديد لوجهة نظر الكاتب والناقد "آنخرفلورس" القائلة بأنّ الرواية بمظاهرها المختلفة، قد ظهرت في أسبانيا قبل أي بلد آخر بسبب أثر الحساسية العربية في الآداب الإسبانية.
ويذهبُ الدُّكتور محمد أنقار إلى ضرورة التريث في الحكم على مدى تأثير المقامة، في "البيكاريسك" الروائي حتى تتوافر الأدلة العلمية الدقيقة، والحجج القاطعة؛ ولكن هذا لا يلغي أمكانية مقاربة "البيكاريسك" على ضوء السرد العربي القديم، ومن خِلال قواعد فن المقامة، تلك صور نادرة "للمورو" في هذه الرواية، أي: رواية "لآثاريو ديترموس" التي لا يعلم بعض النقاد الصلة بينها وبين الحكي العربي القديم، على مستوى العلاقة بفن المقامة أو بعض النوادر والحكايات.
وإذا كانت مثل هذه الاحتمالات لا تزال في حاجة إلى تمحيص علمي مقنع؛ فإن ذلك لا يلغي بتاتًا إمكانية قراءة هذه الرواية "الشطارية" بموازاة مع أعراف السرد العربي القديم وأساليبه؛ مثلما هو الشأن في دراسة محمود طرشونة.