آخر، تطورت به القصة الأوربية بعد أن عرفت تلك الآداب المقامات العربية عن طريق الأدب العربي في إسبانيا، وقد أثر نموذج بطل الحريري في الأدب العربي الأندلسي، ثم الأدب الأسباني بعامة، ثم تعاون هذا التأثير كله في خلق قصص الشطار، التي تعد قصة حياة "لاثاريو دوترموس" نموذجًا له.
ويؤيد رأي الدارسين العرب باحثون إسبان هم أيضًا ذهبوا إلى تأثر الرواية "البيكاريسكية" بأدب المقامة العربية، ومن هؤلاء مؤلفا دائرة المعارف الوجيزة في الحضارة العربية، حيث يقولان: "إن هذا النوع الأدبي -يعنيان المقامة- قد تَسرّبا للأدب الفارسي، وغيره من آداب شرقية، ويبدو أنه قد أثر أيضًا إلى حد ما على كتاب الرواية الأوائل في كل من إسبانيا وإيطاليا".
وينفي الناقلُ الإسباني "آنخرفلورس" التأثير المباشر للمقامات "البيكاريسك" لانعدام الطابع "الأتوبغرافي" في مقامات الحريري باستثناء مقامة واحدة، وهي المقامة "الحرامية" ولأنّ الترحال كان موجودًا في الآداب القديمة: اليونانية والرومانية؛ فإذا سلمنا جدلًا بأن بطل المقامات يقوم في كل مقامة منفردا برحلة تورطه في شتى الملابسات، مع أناس مختلف الأصوات والطبقات الاجتماعية؛ فلا يجب أن ننسى أن هذا التراث القصصي الذي يمثل البطل المتجول، والذي يبدو واضحًا في رواية "البيكاريسك" الإسبانية هو في الواقع سابق لظهور هذه الرواية، وسابق لانتقال أدب المقامات من الشرق العربي إلى المغرب وإلى الأندلس الإسلامي.
ويجاري الدكتور عبد المنعم محمد جاسم مذهب المستعرب الإسباني "أنجلف فلورس" حينما قال: والذي أريد أن أقولَه في نهاية هذا المطاف حول إمكانية التأثير العربي في الرواية الإسبانية: إن هذا التيار العميق الغور، والبعيد المدى من