وأول قصة من هذا الجنس القصصي في الأدب الإسباني هي قصة عنوانها: "حياة لسابيو دوتورموس وحظوظه ومحنه" وهي قصة تنبع من واقع الحياة في الطبقات الدنيا، وتصفها كما يمليها منطق الغرائز الصريح، وهي معارضة تامة لقصص الرعاة، وتسير على نقيضها؛ لأنها تصف واقع لا مثالية فيه ولا أمل.

تأثر الفن القصصي الجديد في أوربا بفن المقامة

ثم ينتقل الدكتور إلى القضية التي تهمنا هنا ألا وهي: قضية تأثر هذا الفن القصصي الجديد بالمقامة؛ فيقول: "ويوجد وجوه شبه قوية بين قصص الشطار السابقة الذكر، وبين المقامات العربية كما نعلمها عند بديع الزمان الهمذاني، ثم الحريري، ولم تبحث هذه المسألة بحثًا مقارنًا بعد، ولكنّ الأَدِلّة التاريخِيّة تقطع بأن مقامات الحريري عرفت في الأدب العربي في إسبانيا.

ومن كتاب العرب الإسبانيين -يقصد الأندلسيين- من ألفوا مقامات على غرارها في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، مثل: ابن القصير الفقيه، ومثل أبي طاهر محمد بن يوسف السرقسطي، وقد شرح مقامات الحريري كذلك كثير من العرب الإسبانيين من أشهرهم: عقيل بن عطية المتوفى عام ألف ومائتين وأحد عشر، ثم أبو العباس أحمد الشليش المتوفى عام ألف ومائتين واثنين وعشرين.

ثم إن مقامات الحريري ترجمت إلى اللغة العبرية، ترجمها سالمون بن زقبيل في القرن الثاني عشر الميلادي، ثم ترجمها الحريزي وظهرت ترجمته عام ألف ومائتين وخمسة؛ وقد كانت هذه المقامات رائجة كل الرواج، لا بين العرب فحسب بل بين العبريين والمسيحيين أيضًا، ولهذا ترجموها إلى لغاتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015