وإذًا قد لقيت هذه المقامات حظًّا كبيرًا في الأدب العربي في الأندلس، وغير معقول أن تظل مجهولة لدى كتاب الإسبان، وقصاصيهم بعد ذلك، وهذا التلاقي التاريخي هو الذي يفسر وجوه التشابه الكثيرة الواضحة بين المقامات، وجنس قصص الشطار في الأدب الإسباني، وقد آثر الكتاب الأسبان أن ينحو منحاها الواقعي على أن يسيروا على منوال قصص الرعاة المثالية، فكان جهدهم ذا أثر كبير في القضاء على قصص الرعاة، وفي التقريب بين القصة وواقع الحياة، وأثروا بذلك تأثيرًا فيه كتاب القصة للآداب الأوربية الأخرى.
ولا يكتفي الدكتور هلال بذلك؛ بل يمضي فيبين امتداد تأثير المقامات، ذلك التأثير الذي يقوم عليه ما بسطه هو من شواهد قوية مقنعة، إلى خارج الأدب الإسباني، فيقول: "وممن تأثر بهم أي: بالأدباء الإسبان المتأثرين بالمقامات العربية، في الأدب الفرنسي "شارل سوريل" في قصته تاريخ "فرانسيون" الحقيقي الهازل، وقد نشرها في باريس عام ألف وستمائة واثنين وعشرين، وهي أول قصة من قصص الشطار في فرنسا، وهي على لسان شخصية "فرانسيو" يهجو فيها العادات والتقاليد بوساطة أشخاص من المتسولين، ومن يعد في حسابهم في نظر المؤلف، كما يهجو مختلف الطبقات الأخرى.
وقد كانت هذه القصة، وأمثالها أصلًا لما سلكه الكاتب الفرنسي "لوساج" في قصته "جون بلا" التي ظهرت طبعتها الكاملة في فرنسا عام ألف وسبعمائة وسبعة وأربعين؛ وفيها يهجو المؤلف العادات والتقاليد على لسان البطل الذي سُمّيت القصة باسمه؛ كما كان قد انتفع بهذا الاتجاه العام الأقرب إلى الواقع الكاتب الفرنسي الآخر "جوتييه" في قصته التي عنوانها (موت الحب) " mart la mour " التي ظهرت في باريس عام ألف وستمائة وستة عشر، وفيها يُصَوّر