وإلى جانب ذلك؛ فإن في مقامات الأديب الفارسي كثيرًا من المناظرات كتلك التي قامت بين السني والملحد، والأخرى التي دارت بين الشيب والشباب؛ ثُمّ إنه بِسبب انتشار التصوف في إيران، في الفترة التي عاش فيها القاضي حميد الدين، وجدنا الكاتب الفارسي يخلع على كثير من مقاماته خلعة صوفية بتعبير المؤلف، كما في المقامة "السكباجية" التي تجري في إثر المقامة المضيرية للهمذاني، إذ يوجد فيها شيخ ومريدون.
وأخيرًا فقد أذكر أن الدكتور زكي مبارك كتب قائلًا: "إن فن المقامة قد انتقل أيضًا إلى الأدبين السرياني والعبري، وهو ما أشار إليه الدكتور شوقي ضيف كما رأينا منذ قليل، ولعل الله يقيض لمسألة انتقال هذا الفن من العربية إلى السريانية والعبرية من يدرسها هي كذلك.
وفي القرن السادس عشر والسابع عشر ظهر في أوربا -كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال- جنس جديد من القصص، خطا بالقصة خطوات نحو الواقع، وهو ما نطلق عليه قصص الشطار، ووجد أول ما وجد في أسبانيا، وهو قصص العادات والتقاليد للطبقات الدنيا في المجتمع، وتُسَمّى في الإسبانية "بكاريسكا" وتختص بأن المغامرات فيها يحكيها المؤلف على لسانه؛ كأنّها حدثت له.
وهي ذات صبغة هجائية للمجتمع ومن فيه، ويُسافر فيها البطل المؤلف على غير منهج في سفره، وحياته فقيرة بائسة يحياها على هامش المجتمع، ويظل يتنقل بين طبقاته ليكسب قوته، ويحكم على المجتمع من وجهة نظره هو حكم تظهر فيه الأثرة والانطواء على النفس، وقصر النظر في اعتبار الأشياء من الناحية الغريزية النفعية، فكل من يعارضه فهو خبيث؛ ومن يمنحه الإحسان خير.