يا غلام، الخوان فقد طال الزمان، والقصاع فقد طال المصاع، والطعام فقد كثر الكلام؛ فأتى الغلام بالخوان، وقلمه التاجر على المكان، ونقره بالبنان، وعجمه بالأسنان، وقال: عَمّر اللهُ بغداد فما أجود متاعها، وأظرف صناعها، تأمل بالله هذا الخوان، وانظر إلى عرض متنه، وخفة وزنه وصلابة عوده وحسن شكله، فقلت: هذا الشكل، فمتى الأكل؟ فقال: الآن عجل يا غلام الطعام، لكن الخوان قوائمه منه.
قال أبو الفتح الإسكندري: فجاشت نفسي وقلت: قد بقي الخبز، وآلاته والخبز وصفاته، والحنطة من أين اشتريت أصلًا، وكيف اكترى لها حملًا، وفي أي رحًا طحن، وإجانت عجن، وأي تنور سجر، وخباز استأجر، وبقي الحطب من أين احتطب ومتى جلب، وكيف صفف حتى جفف، وحبس حتى يبس، وبَقي الخباز وأصله، والسميز ونعته، والدقيق ومدحه، والخمير وشرحه، والملح وملاحته، وبقيت السكرجات من اتخذها، وكيف انتقذها، ومن استعملها ومن عملها؟ والخل كيف انتقي عنبه؟ أو اشتري رطبه، وكيف صهرجت معصرته؟ واستخلص لبه، وكيف قير حبه؟ وكيف يساوي دنه؟ وبقي البقل كيف احتيل له حتى قطف؟ وفي أي مبقلة رصف؟ وكيف تؤنق حتى نظف.
وبقيت المضيرة كيف اشتري لحمها؟ ووفي شحمها، ونصبت قدرها، وأججت نارها، ودقت أبزارها حتى أجيد طبخها، وعقد مرقها، وهذا خطب يطم وأمر لا يتم، فقمت فقال: أين تريد؟ قلت: حاجة أقضيها، فقال: يا مولاي، تريد كنيفًا يزري بربيعي الأمير، وخليفي الوزير، قد جصص أعلاه، وصهرج أسفله، وسطح سقفه، وفرشت بالمرمر أرضه، يزل عن حائطه الذر فلا يعلق، ويمضي على أرضه الذباب فينزلق، عليه باب غير أنه من خليط ساج وعاج، مزدوجين أحسن ازدواج، يتمنى الضيف أن يأكل فيه.