الغلام ذلك وقال التاجر: بالله من اشتراه! اشتراه، والله أبو العباس من النخاس، ضع الطست وهات الإبريق؛ فوضعه الغلام وأخذه التاجر وقلبه، وأدار فيه النظر؛ ثم نقره فقال: انظر إلى هذا الشبه، كأنه جذوة لهب، أو قطعة من الذهب، شبه الشام وصنعة العراق، ليس من قلقان الأعلاق؛ قد عرف دور الملوك ودارها، تأمل حسنه، وس لني ماذا اشتريته؟ اشتريته والله عام المجاعة، وادخرته لهذه الساعة.
يا غلام، الإبريق فقدمه وأخذه التاجر فقلبه ثم قال: وأنبوبه منه، لا يصلح هذا الإبريق إلا لهذا الطست، ولا يصلح هذا الطست إلا مع هذا الدست، ولا يحسن هذا الدست إلا في هذا البيت، ولا يجمل هذا البيت إلا مع هذا الضيف، أرسل الماء يا غلام فقد حان وقت الطعام.
بالله ترى هذا الماء ما أصفاه أزرق كعين السنور، وصاف كقضيب البلور، استقي من الفرات، واستعمل بعد البيات؛ فجاء كلسان الشمعة في صفاء الدمعة، وليس الشأن في السقاء الشأن في الإناء، لا يدلك على نظافة أسبابه أصدق من نظافة شرابه.
وهذا المنديل سلني عن قصته؛ فهو نسل جرجان، وعمل آل رجان، وقع إلي فاشتريته، فاتخذت امرأتي بعضه سراويلًا، واتخذت بعضه منديلًا، دخل في سراويلها عشرون ذراعًا، وانتزعت من يدها هذا القدر انتزاعًا، وأسلمته إلى المطرز حتى صنعه كما تراه وطرزه، ثم رددته من السوق وخزنته في الصندوق، وادخرته للظراف من الأضياف، لم تذله عرب العامة بأيديها، ولا النساء لمآقيها؛ فلكل علق يوم، ولكل آلة قوم.