فكأنما خط بالبركار، وانظر إلى حذق النجار في صنعة هذا الباب، اتخذه من كم؟ قل: ومن أين أعلم؟ هو ساج في قطعة واحدة، لا مأرود ولا عفن، إذا حرك أن، وإذا نقر طن، من اتخذه يا سيدي؟ اتخذه أبو إسحاق بن محمد البصري، وهو والله رجل نظيف الأثواب، بصير بصنعة الأبواب، خفيف اليد في العمل؛ لله در ذلك الرجل، بحياتي لا استعنت إلا به إلا على مثله.
وهذه الحلقة؛ تراها اشتريتها في سوق الطرائف، من عمران الطرائفي بثلاثة دنانير معزية، وكم فيها يا سيدي من الشبه؟ فيها ستة أرطال، وهي تدور بلولب في الباب، بالله دورها ثم أنقرها وأبصرها، وبحياتي عليك إذا اشتريت الحلق إلا منه؛ فليس يبيع إلا الأعلاق، ثم قرع الباب، ودخلنا الدهليز، وقال: عَمّرك الله يا دار، ولا خربك يا جدار؛ فما أمتن حيطانك، وأوثق بنيانك، وأقوى أساسك، تأمل بالله معارجها، وتبين دواخلها وخوارجها، وسلني كيف حصلتها؟ وكم من حيلة احتلتها حتى عقدتها؟.
كان لي جار يكنى أبا سليمان، يسكن هذه المحلة، وله من المال ما لا يسعه الخزنة، ومن الصامت ما لا يحصره الوزن، مات -رحمه الله- وخلف خلفًا أتلفه بين الخمر والزمر، ومزقه بين النرد والقمر، وأشفقتُ أن يسوقه قائد الاضطرار، إلى بيع الدار؛ فيبيعها في أثناء الضجر أو يجعلها عرضة للخطر، ثم أراها، وقد فاتني شراها، فأتقطع عليها حسرات إلى يوم الممات؛ فعمدت إلى أثواب لا تمد تجارتها، فحملتها إليه، وعرضتها عليه، وساومته على أن يشتريها نسية، والمُدبر يحسب النسية عطية، والمتخلف يعتدها هدية، وسألته وثيقة بأصل المال؛ ففعل وعقدها لي ثم تغافلت عن اقتضائه، حتى كادت حاشية حاله ترق، فأتيته فاقتضيته، واستمهلني فأنظرته، والتمس غيرها من الثياب فأحضرته.