قلنا: هاتِ، قال: دعاني بعض التجار إلى مضيرة، وأنا ببغداد، ولزمني ملازمة الغريم والكلب لأصحاب الرقيم، إلى أن أجبته إليها، وقمنا فجعل طول الطريق يثني على زوجته، ويُفَدّيها بمهجته، ويصف حذقها في صنعتها، وتأنقها في طبخها، ويقول: يا مولاي، لو رأيتها والخرقة في وسطها، وهي تدور في الدور، من التنور إلى القدور، ومن القدور إلى التنور، تنفث بفيها النار، وتدق بيديها الأبزار، ولو رأيت الدخان، وقد غبر في ذلك الوجه الجميل، وأثر في ذلك الخد الصقيل، لرأيتَ منظرًا تحار فيه العيون، وأنا أعشقها؛ لأنها تعشقني، ومن سعادة المرء أن يرزق المساعدة من حليلته، وأن يسعد بظعينته، ولا سيما إذ كانت من طينته.
وهي ابنه عمي لحى طينتها طينتي، ومدينتها مدينتي، وعمومتها عمومتي، وأرومتها أرومتي؛ لكنها أوسع مني خُلقًا، وأحسن خَلقًا، وصدعني بصفات زوجته، حتى انتهينا إلى محلته.
ثم قال: يا مولاي، ترى هذه المحلة! هي أشرف محال بغداد، يتنافس الأخيار في نزولها، ويتغايرُ الكبار في حلولها، ثم لا يسكنها غير التجار، وإنما المرء بالجار، وداري في السطة من قلادتها، والنقطة من دائرتها، كم تقدر يا مولاي أنفق على ك ل دار منها؟ قله تخمينًا إن لم تعرفه يقينًا، قلت: الكثير، قال: يا سبحان الله! ما أكبر هذا الغلط، تقول الكثير فقط، وتنفس الصعداء، وقال: سبحان من يعلم الأشياء.
وانتهينا إلى باب داره، فقال: هذه داري، كم تقدر يا مولاي أنفقت على هذه الطاقة؟ أنفقت والله عليها فوق الطاقة، ووراء الفاقة، كيف ترى صنعتها وشكلها؟ أرأيت بالله مثلها؟ انظر لدقائق الصناعة فيها، وتأمل حسن تعريجها،