يقول بأبلغ لسان وأقوى بيان: "إن كثيرًا من المقامات هي أعمال قصصية بالدرجة الأولى.
ثم يأتي البديعُ فيزيدُها جمالًا فوق جمال، فليقل الأديب ما يشاء حول ما يكتب ويؤلف، فالعبرة بالمكتوب لا بالمزعوم، ومع ذلك فالهمذاني والحريري لم يقل أيهما بشأن مقامته شيئًا ينفي عنها أن تكون من الفن القصصي في صميم الصميم؛ فأنا لنا إذًا أن نتبرع دون أي سبب بنفي الهوية القصصية عنها.
والواقِعُ أنّ جَميعَ العَناصر القصصية؛ من سرد، ووصف، وحوار، وحبكة، متوفرة تمامًا في كثير من مقاماتهما بالإضافة للأسلوب البديعي الذي يدل على أن كل منهما أديب من طراز سامق.
إذ لم تشغله البديعيات هنيهة عن إتقان فنه القصصي، ولا جارت عليه، بل زادته رونقًا على رونق، وأضافت إلى روعة إبداعه روعات، وأين هذا من بعض كُتاب القصة الحاليين عندنا، مِمّن يُعَانون من فقر المعجم، وركاكة الأسلوب، والجهل بقواعد النحو والصرف.
صحيح أن الذوق الأدبي قد تغير الآن بين جماهير القراء، بيد أن هذا لا ينبغي أن يدفعنا إلى الافتئات على ذلك الفن، وأصحابه الذين كانوا في إبداعهم أبناء عصرهم الأوفياء، وقد بهر عدد من مشاهير النقاد العربي في العصر الحديث بكثير من نماذج هذا الفن عند الهمذاني، وما فيه من عناصر قصصية جعلته يصمد للمقارنة مع أية قصة قصيرة حديثة؛ فكتبوا عنها في إعجاب ووله وعلى رأسهم: الدكتور شكري عياد، والدكتور علي الراعي.