أما في نُصوص هذا الصنف من الشعراء التي ما زالت تقول شيئًا مفهومًا، فقد انحدرت في كثير من الأحيان إلى العدوان على قيمنا الخلقية والدينية، التي نعتز بها كل الاعتزاز، نعم قد انتهى الشعر العربي -أو كاد أن ينتهي- في أيدي هؤلاء الشعراء إلى طريق مسدود، بعد أن قضوا على كل ما هو نضر فيه، فلم يعد له في معظم ما يكتبون معنى ولا نغم، ولا فيه شعور، وأضحى كنشارة الخشب على القارئ أن يمضغها ويتجرعها ويعمل المستحيل كي يسيغها، وهيهات ثم هيهات.
وبالنسبة لموضوعات القصيدة كان هناك المديح والهجاء والرثاء والخمر، والحماسة، والغزل والغلمان ... إلخ. ولم تكن كل هذه الموضوعات موجودة منذ البداية، فالمديح مثلًا لم يظهر إلا في أواخر العصر الجاهلي، على حين أن شعر الغلمان لم يعرفه العرب إلا في العصر العباسي بتأثير فارسي حسبما لاحظ الدارسون، كذلك فقد جد في العصور العباسية المتأخرة شعر التصوف والمدائح النبوية، وهو ما لم يكن يعرفه الشعر العربي قبل ذلك تقريبًا.
ولم تعرف القصيدة العربية الاقتصار على الغزل أو وصف الخمر إلا في العصر الأموي، كما غَلب على القصيدة العربية في نصوصها المبكرة تعدد الموضوعات، أما بعد ذلك فما أكثر أن وجدنا القصيدة تنفرد بموضوعها لا يشرك فيها موضوع آخر، لكن ذلك لم يضح ملمحًا ثابتًا للقصيدة العربية إلا في العصر الحديث.
ومن ناحية تمييز القصائد بعضها عن بعض، لم يكن هناك عناوين للأشعار على خلاف النثر من كتب ورسائل وقصص، وكانوا إذا أرادوا أن يشيروا إلى قصيدة من القصائد المشهورة، قالوا: بائية أبي تمام، وسينية البحتري، ونونية ابن زيدون، وميمية المتنبي، على رغم أنه قد يكون للشاعر أكثر من قصيدة على هذا