وأحيانًا ما يكون في القصيدة الواحدة أكثر من تفعيلة، وعلى ذات الشاكلة تفتقر القصيدة التفعيلية إلى نظام قفوي معروف، إذ الشاعر حر في أن يقفي متى شاء، وأن يترك التقفية متى يشاء، مثلما يمكنه التنويع في القافية على النحو الذي يشاء.
ومن هنا خفت نغم القصيدة، وظل يخفت رويدًا رويدًا حتى مات في كثير من القصائد، فانتفى عنها الشعر، وأضحينا أمام جثث يزعم أصحابها، ومن يوافقونهم من النقاد على هذا العبث والإفساد المزاعم الطويلة العريضة التي تصم الآذان، إلا أنها لا تجدي فتيلًا إيذاء تلك الجثث التي خلت من الحياة والحيوية، فإذا أضفنا إلى هذا ما أصبح ملمحًا بارزًا من ملامح كثير من نصوص هذا الشعر في الفترة الأخيرة، وهو الغموض الذي يبلغ حد الاستغلاق، تبين لنا حجم الكارثة التي نزلت بالشعر العربي على أيدي هؤلاء المغرمين بالتدمير والتجريف في الوقت الذي يملئون الدنيا صياحًا، بأنهم إنما يعملون على إنقاذ الشعر العربي من المأزق الذي وقع فيه، على حين أنهم هم أنفسهم مأزق هذا الشعر ومصيبته وبلواه.
إذ صار الشعر على أيديهم فاقد للمعنى واقترب في حالات كثيرة من الهلوسات والبهلوانيات، فإذا اعترضت بأنّ هذا ليس بشعر، أجابوك بأن الشعر لم يخلق ليقول شيئًا، بل يلعب الشعر بالكلمات وحسب، ومع هذا تراهم مغرمين غرام عجيبًا بإذاعة شعرهم، كما تراهم يتهافتون أشد التهافت على النقاد؛ ليكتبوا عنه وعنهم، وكثيرًا ما نرى أولئك النقاد الذين يزعمون أن لغة الشعر ليست للتوصيل ولا للتواصل، وهم يزحرون ويتصببون عرقًا في تفسير ما يقصده الشعر من معنى، وهذا أكبر دليل على عظم التدليس الذي ينتهجه الفريقان كلاهما في حديثهم عن فن الشعر.