بعدة قرون إلى ما بعده بفترة، وكانوا يسكنون مدائن صالح، وما حولها، وجاء في القرآن الكريم أنهم قد أخذتهم الرجفة، إلا أنهم رغم هذا قد خلفوا لنا كثيرًا من النقوش في بلادهم وخارج بلادهم، مما يدل على أن فهم ابن سلام للآية الكريمة الخاصة باستئصالهم لم يكن فهمًا دقيقًا، كذلك اللغة التي كتبوا بها نقوشهم لا تختلف عن العربية الفصحى كما نعرفها اللهم إلا فيما لا يقدم، ولا يؤخر.
وبالإضافة إلى ذلك فقد تنبه الباحثون إلى أن الشعر الجاهلي الذي بين أيدينا لا يمكن أن يكون أول ما نظمته العرب من أشعار بل لا بد أن تكون قد سبقته أشعار أخرى على مدى زمني طويل، حتى استوى الفن الشعري على سوقه. أما إلى أي مدى يمتد هذا الزمن في الماضي بالضبط، فعلمه عند الله، إذ لم يستطع حتى الآن أي باحث الإتيان بما يشفي ويكفي في هذا السبيل.
وهناك من الباحثين من يرجع الشعر العربي إلى ما قبل الإسلام بزمن كبير، فمثلًا يشير " La poésie " في كتابه ( arabe anté - islamique) " طبعة باريس، سنة 1080م، إذ يتحدث المستشرق الفرنسي عما كتبه "سوزومين" المؤرخ الإغريقي الكنسي من أهل القرن الخامس الميلادي، من أن إحدى ملكات العرب في القرن الرابع قد انتصرت على القوات الرومانية الموجودة في فلسطين وفينيقيا، فأخذت الرعية تحتفل بهذا الانتصار مرددة الأغاني الشعبية، وإن لم يصلنا من ذلك شيء ولو عن طريق الترجمة، وهو ما أسف له " poésie ".
ومعنى هذا لديه أن هناك شعرًا عربيًّا يعود إلى القرن الرابع الميلادي، أي: أن الشعر الجاهلي لا يعود إلى ما قبل الإسلام بقرن أو قرن ونصف فقط كما كنا نردد، بل لا بد أنه امتد إلى ما وراء القرن الرابع نفسه؛ لأنه لا يعقل أن يكون