وعلى أية حال فهناك أشعار تروى على أزمان أبعد كثيرًا من هذه المدة التي حددها الجاحظ، كتلك التي تُنسب لعاد وثمود مثلًا، صحيح أن ابن سلام في مقدمة كتابه (طبقات الشعراء) قد نفى أن تكون مثل تلك الأشعار حقيقية، إلا أنّ الحُجّة التي استند إليها في ذلك النفي ليست بالحاسمة، ذلك أنه اعتمد فيها على ما جاء في القرآن الكريم عن أولئك القوم من أنهم لم تبق منهم باقية، وهو ما أدى به إلى التساؤل قائلًا: إذا كانت عاد وثمود قد استؤصلتا كما جاء في القرآن، فمن الذي أدى لنا تلك الأشعار يا ترى؟.
لكن فاته أن القرآن لم يقل إنهم جميعًا استؤصلوا، بل الذين استؤصلوا منهم هم الكافرون فقط، كما جاء في الآيات من (50 - 68) من سورة هود، كذلك من الممكن جدًّا أن يكون غيرهم من العرب ممن كانوا يحفظون تلك الأشعار هم الذين أدوها لنا، ولست أقصد بذلك أن هذه الأشعار وأشباهها صحيحة بالضرورة؛ فليس ذلك همي هنا، بل كل ما أريد أن أوضحه هو أن الحجة التي ساقها "ابن سلام" لا تستطيع أن تحسم المسألة، وبخاصة أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون عاد وثمود قد قالوا شعرًا، ولا أن يكون ذلك الشعر قد بقي تلك المدة التي تفصل بينهم وبين الإسلام، إذ هي ليست بالمدة الطويلة، فها نحن أولاء ما زلنا نهمتم بأشعار الجاهلية التي يقر بها الباحثون، ونقرؤها وندرسها، ونحفظ كثيرًا من نصوصها رغم انصرام كل هاتيك القرون التي تبلغ ال 1600 من السنين.
وكان "ابن سلام" يظن أن عادًا وثمود كانتا قبل زمنه بآلاف السنين، وأنه لم يبق منهما شيء، لكن ثمود لم يكن يفصل بينها وبين الإسلام في الواقع أكثر من ألف سنة أو أقل، إذ يعود تاريخ الثموديين إلى المسافة الزمنية الممتدة من قبل الميلاد