فلنا أن نقول حينئذ: إنه لا بد من إقامة الطابق الأرضي أولًا حتى يمكننا بناء الطوابق الأخرى، وقد قال بذلك الرأي بعض الباحثين كـ" Mصلى الله عليه وسلمRGOLIOUTH " الذي أكد في دراسته المشهورة المسماه بـ" The Origins of صلى الله عليه وسلمrabic Poetry " وهي الدراسة التي شكك فيها في وجود الشعر الجاهلي كله، أن السجع العربي قد ظهر أولًا قبل أن يظهر الرجز، وهو أبسط ألوان النظم، ثم تأتي في النهاية قصائد الشعر كما نعرفها في الأوزان الأخرى الأكثر تعقيدًا، أي أن النثر عنده سابق على السجع، وهذا سابق على الرجز، وذاك سابق على سائر أوزان الشعر، وقد قال "بروكلمان" من قبله بذات الرأي، ويجد القارئ كلام المستشرق الألماني في مقدمة الفصل الثالث من الجزء الأول من كتابه (عن تاريخ الأدب العربي) وهو الفصل المسمى "قوالب الشعر العربي".
كذلك لا بأس من إعادة القول بأننا في الشعر أمام فن أدبي أكثر تعقيدًا وقيودًا من فن النثر، فكيف يكون ذلك الفن أسبق من تلك الفنون الأكثر سهولة، وفي بداءة الفصل الأول من الباب الثاني من كتابه (الأدب فنون) يؤكد الدكتور "عز الدين إسماعيل" أيضًا أسبقية الشعر على النثر إسنادًا إلى "سام بيولوجي" ونفسه، إذ الشعر تعبير عن الانفعالات كما يقول، على حين أن النثر هو وسيلة التعبير عن الأفكار.
وإنّ الإنسان ليتساءل: ألم يكن الإنسان القديم يفكر حتى يقال: إنه ابتدع الشعر أولًا وظل لا يعرف غير الشعر إلى أن عرف التفكير فابتدع النثر بدوره للتعبير عنه؟ ثم ألا يقبل النثر أيضًا أن يكون أداة للتعبير عن الانفعالات؟ فماذا يصنع من لا يستطيعون الشعر إذًا؟ أيكبتون انفعالاتهم ويتخلصون منها فتؤذيهم في نفوسهم أذى شديدًا؟ ثم أليس هناك الشعر التعليمي، وهو يعبر عن الأفكار؟.