أما قوله: إن الشِّعر في صدر الإسلام كان أغزر من النثر، فماذا تراه فاعلًا أمام أحاديث النبي -عليه السلام- وخُطبه وهي تكافئ وحدها عدة دواوين شعرية من حيث الحجم، رغم أنها لا تغطي كل ما قاله النبي -عليه السلام- في هذا الصدد كما هو معروف، وكذلك لا ينبغي أن ننسى خطب الخلفاء والولاة والقادة العسكريين، والعلماء وأئمة المساجد، وما كان القصاص يروونه من قصص في المساجد وغير المساجد.

وكتاب (أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها)، الذي سجل فيه صاحبه ما كان يقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان من حوارات تاريخية، وكان معاوية قد استقدمه؛ ليستمع منه أخبار ملوك اليمن.

ويذكر ابن النديم أن عبيدة وفد على معاوية، فسأله عن الأخبار المتقدمة، وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة، وأمر افتراق الناس في البلاد، وكان قد استحضره من صنعاء لليمن، فأجابه إلى ما سأل، فأمر معاوية أن يدون ذلك وينسب إلى عبيد.

وعندنا فضلًا عن هذا ما تركه لنا عروة بن الزبير، والزهري، وأبان بن عثمان، وغيرهم من كتابات في السيرة النبوية، ولا ننسى قبل كل هذا كتاب الدواوين، وما كان يحضرونه من رسائل، وبيانات رسمية، وهذا كله ليس إلا أمثلة على ما وراءه.

كذلك إن قلنا: إن الشعر أسبق من النثر الفني، فمعنى هذا أن من كانوا يريدون أوان ذاك أن يعبروا عن مشاعرهم، ويصوروها بصورة فنية، إما أن يكونوا كلهم شعراء، وأما أن يتكلم الشعراء وحدهم، ويخرس من لا يتصفون بموهبة الشعر، وكِلا الأمرين لا يمكن أن يكون، وأما إن مضينا خطوة أخرى وشبهنا الشعر بالطوابق العلوية من البيت، والنثر بالطابق الأرضي منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015