النثرية، فمن السهل تفسير ذلك بأن الذاكرة لا تقدر على الاحتفاظ بالنصوص النثرية، مقدرتها على الاحتفاظ بنصوص الشعر، لما فيه من أوزان وقواف تساعد على ذلك الحفظ كما هو معلوم.

و"طه حسين" وهو واحد ممن اشتركوا في وضع الكتاب الذي نحن بصدده، إن لم يكن هو كاتب الفصل الخاص بالشعر، يقول بوجود خطب جاهلية تجمع بين الإقناع والإمتاع، ومن ثم كانت تتسم بالجمال الفني، كل ما هنالك أنها لعدم شيوع الكتابة بين العرب آنذاك لم تصلنا؛ لأنها لم تعتمد على الوزن والقافية، فكان من الصعب على الذاكرة أن تحتفظ بها احتفاظها بالشعر، وهذا الكلام موجود في محاضرته "النثر في القرنين الثاني والثالث للهجرة" المنشورة في كتابه (من حديث الشعر والنثر).

ثم إن المنطق يقول بما قلناه من أن الأمر كله أدب، ثم بعد ذلك يكون هذا شعرًا، وذاك قصصاّ مثلًا، ولدينا في الجاهلية إلى جانب الشعر المثل والقصة والخطابة، وسجع الكهان، لا الشعر وحده فقط، أما إذا قمنا بالشك في تلك الفنون فقد قام " ديفيد صمويل مرجليوث " المستشرق البريطاني أيضًا بالشك في الشعر الجاهلي كله على بكرة أبيه، كما تبعه "طه حسين" فأعلن ارتيابه في معظم ذلك الشعر على الأقل إن لم يكن فيه جميعًا، أي أن هذا باب لا يمكن إغلاقه في وجه محبي الجدل، المولعين بالخصام.

ثم إننا لا نقول بأن كل ما وردنا عن الجاهلية من نثر قد آتانا على صورته الأصلية، إذ إن الذاكرة البشرية لا تستطيع مهما كانت قدرتها على الاستيعاب، والحفظ كالذاكرة العربية قبل الإسلام، أن تحفظ كل شيء لا تخرم منه حرفًا، حتى لو كان المحفوظ شعرًا تساعد موسيقاه، وقلة نصوصه على المحافظة عليه أفضل من سواه، فما بالنا بالنصوص النثرية التي تخلو من ذلك العامل المساعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015