الصغير "لويس" الذي كان يدرس حينها في أكسفورد، بما يفيد أن الكتابة النثرية كانت متقدمة في عهده حتى لتوضع بها المؤلفات العلمية أو شبه العلمية، وهذا أقوى رد على استشهاد الكاتب بهذا الأديب الإنجليزي لتعضيض رأيه في سبق الشعر على النثر.
بل إن "تشوسر" في بعض حكاياته متأثر بقصص " بوكاشيو " وهي قصص نثرية لا شعرية، ليس ذلك فحسب، بل إن إحدى تلك القصص (وهي القصة الأخيرة) قد كتبت نثرًا، وهذا رد آخر على دعوى الكاتب، ومن معاصري "تشوسر" يمكن أن نذكر "جون ويكلف" المصلح الإنجليزي المشهور، وصاحب الخطب الكنسية المتقدة حماسًا، والخطب أحد فنون النثر، ولدينا قبله المؤرخ " جيفري أوف مونماوث " ابن القرن الحادي عشر، وعندنا أيضًا ناثرون في اللغة "الأنجلو ساكسونية" السابقة على الإنجليزية.
أما بالنسبة إلى "هوميروس" فمن أين يا ترى استمد موضوعاته التاريخية الخرافية التي أدار عليها ملحمتيه المعروفتين؟ أليس مما كان الناس قبله وفي عصره يرونه نثرًا في مجالسهم ومنتدياتهم قبل أن يحولها هو شعرًا؟ أم ترى الكاتب يقول: إنهم لم يكونوا يتحدثون طوال حياتهم إلا بالشعر المنظوم؟ إن هذا لهو المستحيل بعينه، ذلك أن تأخر معرفة الأمم بالكتابة والقراءة ليس بمانع من ظهور الإبداع النثري، إذ إن البشر لا يملكون فقط أيديًا للكتابة، بل قد زودهم الله بأفواه للكلام أيضًا.
وإذا كانوا في فترة من فترات تاريخهم لا يستطيعون أن يكتبوا، فإن هذا لا يمنعهم من الإبداع النثري شفاهة، أترى الأمم الجاهلة بالقراءة والكتابة لم تكن تخطب مثلًا أو تحكي قصة أو تضرب الأمثال؟ فإن قيل: إنه لم تصلنا تلك الإبداعات