مواكبته الشعر إن لم يسبقه ولو اعتباريًّا على الأقل، وإن كنا نتحرج من القول بسبق النثر الفني على الشعر؛ لأن النثر الفني والشعر كليهما أدب.

كُل ما في الأمر أن الله قد يسر كل أديب من الأدباء لما خلق له، فهذا شاعر، وهذا قصاص وهذا كتاب الرحلات، وهذا مؤلف مقالات وهلم جرة، وقد أكد كاتب فصل الشعر في كتاب "التوجيه الأدبي" أن الشعر أقدم دروب الأدب جميعًا، أما الأدب المنثور فهو أحدث من الشعر كثيرًا، وهو يستشهد بقصائد "هوميروس" التي كانت -حسب قوله- تنشد ويتغنى بها قبل أن يُؤلف كتاب أو يظهر أثر فني.

وكذلك بالشعر الجاهلي الذي كان -كما قال- ينشد في المجامع والمحافل، وتتداوله الرواة وتتناقله الأفواه، وله في الحياة الاجتماعية آثار واضحة قوية، ثم نبحث عن نثر جاهلي فلا نكاد نجد له أثرًا، فإذا أمعنا في البحث ألفينا نتفًا من سجع الكهنة والحكماء يشك كثيرًا من صحة نسبتها إلى قائليها، بل إلى العصر الجاهلي نفسه، ثم هي فوق هذا ليست بالأثر الأدبي الخطير.

ثم يمضي الكاتب فيضرب مثلًا ثالثاُ من الأدب الإنجليزي، حيث نجد أن أقدم الآثار الأدبية هي القصائد التي تصور أعمال "بيولف" وترجع إلى القرن السادس أو السابع الميلادي، وبالمثل فقصائد "تشوسر" في قصص "كانتربري" هي أجل الأعمال الأدبية لدى الإنجليز المحدثين -حسبما ورد في كلامه- وهو يعزو هذه الظاهر إلى أن الأدب المنثور يتطلب معرفة بالكتابة، والكتابة اختراع متأخر في تاريخ كل أمة.

بيد أنه من المفيد هنا الإشارة إلى أن "تشوسر" صاحب قصص "كانتربري" كانت يكتب النثر أيضًا ترجمة وتأليفًا، بل إن له كتابًا عن "الأسطرلاب" ألفه لابنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015