الموهبة -كما هو معروف- بخلاف غيره من فنون الأدب التي يمكن بشيء من الإرادة والاهتمام ممارسة كثير من الأدباء لها، فمن لم تكن لديه تلك الموهبة لن يكون شاعرًا، وإن أمكن في بعض الحالات أن يكون ناظمًا.
لكن هل معنى ذلك أن النثر أسبق من الشعر؟ صعب أيضًا القول بهذا، وإن كنت أظن أن الشعر والنثر ظهرا جميعًا في ذات الوقت، فكلاهما أدب من الأدب، كل ما هنالك أن الشعر لا يستطيعه إلا الشعراء، أي: أولئك الفئة من البشر الذين أصبغ الله عليهم عطية الشعر، وأن النثر كان يستطيعه فئات كثيرون منهم.
ولسنا نقصد هنا النثر بإطلاق، بل النِّثر الأدبي الذي يتميز بدفء الوجدان، ويحرص مبدعه على توفير الإيقاع والتعبير التصويري ما أمكن، وإلا فالناس كلهم يستطيعون كما كان يظن "مسيو جوردان" في مسرحية "موليير" ( Le رضي الله عنهourgeois gentilhomme) أن يكونوا ناثرين مادام النثر هو أن يتكلم الإنسان بغير الشعر حتى لو كان هو الكلام اليومي الذي لا صلة بينه وبين الأدب والفن، إذ كان تعليق "مسيو جوردان" حين عرف أن اللغة إما نثر، وإما شعر لا تخرج عن ذلك أبدًا، أنه قد ظل إذًا أربعين سنة كاملة يتكلم النثر دون أن يدري.
والحق أن لو كان القائلون بسبق الشعر على النثر، يقصدون النثر الفكري، والعلمي لا النثر الأدبي، لوافقناهم على ما يقولون، فهذا الضرب من النثر يحتاج إلى أن تكون الأمة قد قطعت مرحلة طويلة من التطور العقلي والفكري، قبل أن تظهر تلك الكتابة النثرية لديها، أما إذا أريد النثر الفني فلا مشاحة في