أو من يمشي على حبل في الهواء مع احتفاظه باتزانه وإيهامنا أنه يتصرف بتلقائية وثقة تامين.
ومعلوم أيضًا أن الإبداع الشعري بطبيعته قليل، وأن مداه قصير، وحصاده محدود على عكس النثر، ولعلنا لم ننس ما يقال عن الشعراء الحوليين المحككين في الجاهلية، وهم الشعراء الذين كان الواحد منهم يصرف عامه أو حوله كله في نظم قصيدة واحدة من بضع عشرات قليلة من الأبيات وتنقيحها.
وسواء صح هذا على حرفيته أو كان تعبيرًا مجازيًّا عن شدة اهتمام تلك الطائفة من الشعراء بتجويد إبداعهم واجتهادهم في إظهاره على أجمل صورة، فإن المغزى واضح في أن الشعر ليس في صورة النثر أبدا، وهو ما عبر عنه الحطيئة مثلًا حين قال:
الشعر صعب وطويل سلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
ز لت به إلى الحضيض قدمه ... ..... ..... .... ...
وكذلك قول الفرزدق مثلًا؛ إنه قد تأتي عليه أوقات يكون خلع ضرسه فيها أهون عليه من نظم بيت واحد من الشعر.
وهذا بالتأكيد هو السبب فيما يروى من أن العرب كانت تحتفي بشعارئها، وتحتفل بهم أيما احتفال، مما لم يرد مثيله عن الخطيب أو القصاص، كما أنه هو السبب في أن الشعراء وحدهم كانوا يتصلون في اعتقاد الناس بعالم الجن والشياطين عند العرب، أو بعالم الآلهة عند الإغريق، مما لم يقال شيء منه عن سائر الأدباء.
ولقد عرفنا في عصرنا شعراء تحولوا إلى كتابة الرواية أو المقال الأدبي مثلًا، لكننا لا نعرف روائيين أو كتاب مقالات تحولوا إلى كتابة الشعر، إذ الشعر يقوم على