هي راجعة إلى ظروف المبدع الشخصية أو هي بالأحرى ترجع إلى خصائص البيئة والأمة التي ينتسب إليها.
أما أنا فأحبذ مبادرة الأمور، والعمل على خلق مثل تلك الصلات عن طريق المقارنات الإستباقية هذه, ومن ثَمّ لا أجدُ أية غضاضة في ما صنعه "شفيق جبري" مثلًا في مقالاته في "مجلة الثقافة المصرية" سنة تسع وثلاثين وتسعمائة وألف من المقارنة النقدية بين "بحيرة البحتري" و"بحيرة لامارتين" ولا ما صنعه دكتور صفاء خلوصي من المقارنة بين البحيرتين العربية والفرنسية، ولا ما صنعه دكتور عبد الرزاق حميدة في كتابه (الأدب المقارن) حين وازن بين (رسالة الغفران) للمعري و (الكوميديا الإنسانية) لدانتي مقارنة جمالية خالصة؛ فلا حديث عن تأثر أو تأثير بين العملين.
لقد كان المرحوم "محمد غنيمي هلا ل" و"أنور لوقا" مثلًا من المتشيعين للمنهج الفرنسي في الأدب المقارن، وما زال هناك من يأخذ بوجهة نظر هذه المدرسة، لا يرى مما عداها شيئًا وهم كثر, وهناك على العكس من هذا من يتشيع للمنهج الأمريكي متمثلًا فيما كتبه "رينيه ويلك" الذي وسع دائرة ذلك الحقل كما تعكسه الفصول الخاصة بهذا الموضوع في كتابه (مفاهيم نقدية) فلم يقصرها على مجالات التأثير والتأثر، التي تقتضي وجود صلات تاريخية بين طرفي المقارنة.
إن ما يقوله هذا أو ذاك من الباح ثين الغربيين، ليس قرآنًا مقدسًا، ينبغي أن نخر عليه صمًّا وعميًا وبكمًا، بل إن القرآن نفسه لا يطالب البشر بأن يخروا عليه مؤمنين دون تفكير أو إعمال عقل، فما بالنا بنظريات في الأدب والنقد، هي من نتاج العقل البشري غير المعصوم.