وعلى هذا؛ فإني لا أقصر مجال الأدب المقارن على الأدبين اللذين قد ثبت أن بينهما صلات تاريخية، بل أنادي بتمديده؛ ليشمل دراسة أي أدبين بينهما وجه أو أكثر من وجوه الشبه أو الاختلاف، لمعرفة الأسباب التي تكمن وراء ذلك التشابه أو هذا الاختلاف, كما أرى أيضًا توسيع آفاقه؛ ليشمل مثلًا الموازنة الأدبية بين عملين من أعمالهما، وتحليل كل واحد منهما، والاجتهاد في تذوق كل منهما؛ لتوسيع مجال الاستمتاع الأدبي والنقدي، عند الدارس والقارئ جميعًا، ومحاولة تقويم كل منهما فنيًّا ومضمونيًّا، والوصول إلى معرفة أي منهما أجمل وأقوى وأشد تأثيرًا من الآخر ولماذا؟ وذلك من أجل اكتساب نظرة أكثر رحابة، وأوسع إنسانية، وأعمق حكمًا، وأحرى أن تكون أقوى انفتاحًا على ما عند الآخرين من آثار الخير والجمال والجلال.
ولسوف نرى إن هناك كتابات مقارنية في التراث العربي، وعلى مدى زمن طويل في العصر الحديث، لم تكن تهتم بتاتًا بالبحث عما إذا كان هناك صلة تاريخية بين الأدبين، أو الأديبين، أو العملين الأدبيين محل المقارنة, بل يكفي أن يكون هناك وجه مشابهة أو أرض مشتركة بين الطرفين؛ حتى تقوم دراسة مقارنة بينهما.
أي: أنّ الاتجاه الأمريكي ليس بدعًا جديدًا في الأدب المقارن، ولسوف نرى أن "فخري أبو السعود" مثلًا في مقالاته التي كتبها في الثلاثينات من القرن المنصرم عن الأدب المقارن، إنما ينطلق من رؤية أفسح، وأرحب وأجدى من الرؤية التي تنطلق منها المدرسة الفرنسية بوجه عام، وأنه قد سبق بصنيعه هذا "رينيه ويلك" الأستاذ السابق الأدب المقارن بالجامعات الأمريكية.
وعلى نفس هذا المنوال قارن الدكتور "إبراهيم سلامة" في كتابه (التيارات الأدبية في الشرق والغرب دراسة في الأدب المقارن) بين الأدبين العربي والإغريقي في كل