والاختلاف لديها في الذوق والإبداع، وتتبع المسارات التي انتقلت عن طريقها التأثيرات الأدبية من أمة إلى أخرى في حالة وجودها، وإمكان تتبعها.
وإذا كانت المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن تركز بوجه عام على الصلات التي ثبت وجودها فعلًا بين الأمم والشعوب؛ فهل هناك ما يمنع أن نمد هذا الاهتمام إلى المستقبل، فنستشف وجود مثل هذه الصلات، أو نعمل على خلقها خلقًا إن لم تكن موجودة؟ ذلك أن من الممكن جدًّا أن يكون "موليير" على سبيل المثال قد سمع بـ"بخلاء" الجاحظ بطريقة أو بأخرى حين ألف مسرحيته الشهيرة "البخيل".
وربما كان تأثير المتنبي أو البحتري سلبيًّا, كذلك هل كان قبل "أسين بلاتيوس" بل إلى ما بعد وفاته ببضعة أعوام من كان يعرف أن قصة المعراج قد ترجمت إلى عدة لغات أوربية، منها اللاتينية قبل أن يكتب "دانتي" كوميدياه الإلهية؟ لقد تعرض "بلاتيوس" إلى هجوم شديد ومعارضة عنيفة، عندما طلع على الناس بأن "دانتي" قد تأثر بتلك القصة، إلى أن اكتشف أحد المستشرقين بعد رحيله بسنوات خمس لا غير إن تلك القصة قد ترجمت فعلًا قبل وضع "دانتي" عمله المذكور، مما يؤكد أنه قد قرأها قبل إبداعه لذلك العمل.
ولنفترض أننا كنا موقنين تمام الإيقان أنه لم تكن هناك قط مثل تلك العلاقة ولو على سبيل الاحتمال، أفلا تستحقُّ المُقارنة بين الذوقيين والأسلوبين، وتقويم العناصر الفنية في الأثرين الأدبيين مثلًا: أن نقوم بمثل تلك المقارنة على الأقل تنشيطًا لعملية الأخذ والرد بين الأدبين، وتلقيحًا لكل منهما بعناصر القوة والجمال في الآخر، وإغناءً لعملية الإبداع والتذوق بهذه الطريقة، ومن ثم قيام صلات أدبية بينهما تخلق خلقًا من هذا السبيل، واستكشافًا للعوامل التي تقف خلف نقاط القوة أو الضعف, وهل